responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير ابن كثير - ط العلمية المؤلف : ابن كثير    الجزء : 1  صفحة : 230
وَيَقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَنْ يَتَّخِذُوا بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلًا أُولئِكَ هُمُ الْكافِرُونَ حَقًّا وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً [النِّسَاءِ: 150- 151] ، فَحَكَمَ عليهم بالكفر المحقق إذا آمَنُوا بِبَعْضِ الرُّسُلِ وَكَفَرُوا بِبَعْضِهِمْ، وَكَذَلِكَ مَنْ عادى جبرائيل فإنه عدو لله، لأن جبرائيل لَا يَنْزِلُ بِالْأَمْرِ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ وَإِنَّمَا يَنْزِلُ بِأَمْرِ رَبِّهِ، كَمَا قَالَ: وَما نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ [مَرْيَمَ: 64] ، وَقَالَ تَعَالَى: وَإِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ. نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ. عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ [الشُّعَرَاءِ: 192- 193- 194] ، وَقَدْ رَوَى الْبُخَارِيُّ [1] فِي صَحِيحِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ عَادَى لِي وَلِيًّا فَقَدْ بَارَزَنِي بِالْحَرْبِ» وَلِهَذَا غَضِبَ الله لجبرائيل على من عاداه، فقال تعالى: مَنْ كانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ أَيْ مِنَ الْكُتُبِ الْمُتَقَدِّمَةِ: وَهُدىً وَبُشْرى لِلْمُؤْمِنِينَ أَيْ هُدًى لِقُلُوبِهِمْ وَبُشْرَى لَهُمْ بِالْجَنَّةِ، وَلَيْسَ ذَلِكَ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِينَ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفاءٌ [فُصِّلَتْ:
44] : وَقَالَ تَعَالَى: وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ [الْإِسْرَاءِ: 82] .
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: مَنْ كانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكافِرِينَ يَقُولُ تَعَالَى: مَنْ عَادَانِي وَمَلَائِكَتِي وَرُسُلِي، وَرُسُلُهُ تَشْمَلُ رُسُلَهُ مِنَ الْمَلَائِكَةِ وَالْبَشَرِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى اللَّهُ يَصْطَفِي مِنَ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا وَمِنَ النَّاسِ [الْحَجِّ: 75] . وَجِبْرِيلَ وَمِيكالَ وَهَذَا مِنْ بَابِ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ، فَإِنَّهُمَا دخلا في الملائكة في عُمُومِ الرُّسُلِ، ثُمَّ خُصِّصَا بِالذِّكْرِ لِأَنَّ السِّيَاقَ في الانتصار لجبرائيل، وَهُوَ السَّفِيرُ بَيْنَ اللَّهِ وَأَنْبِيَائِهِ، وَقَرَنَ مَعَهُ مِيكَائِيلَ فِي اللَّفْظِ، لِأَنَّ الْيَهُودَ زَعَمُوا أَنَّ جبرائيل عدوهم، وميكائيل وليهم، فأعلمهم الله تعالى أن مَنْ عَادَى وَاحِدًا مِنْهُمَا فَقَدْ عَادَى الْآخَرَ وعادى الله أيضا، ولأنه أيضا ينزل على أنبياء الله بَعْضَ الْأَحْيَانِ، كَمَا قُرِنَ بِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي ابْتِدَاءِ الْأَمْرِ، وَلَكِنَّ جبرائيل أكثر وهي وظيفته وميكائيل موكل بالنبات والقطر، هذا بِالْهُدَى وَهَذَا بِالرِّزْقِ، كَمَا أَنَّ إِسْرَافِيلَ مُوَكَّلٌ بالنفخ في الصور لِلْبَعْثِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلِهَذَا جَاءَ فِي الصَّحِيحِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلم كَانَ إِذَا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ يَقُولُ: «اللَّهُمَّ رب جبرائيل وميكائيل وإسرافيل، فاطر السموات وَالْأَرْضِ، عَالِمَ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ، أَنْتَ تَحْكُمُ بَيْنَ عِبَادِكَ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ، اهْدِنِي لِمَا اخْتُلِفَ فِيهِ مِنَ الْحَقِّ بِإِذْنِكَ، إِنَّكَ تَهْدِي مَنْ تَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ» وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا حَكَاهُ الْبُخَارِيُّ، وَرَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ عكرمة وغيره أَنَّهُ قَالَ، جِبْرَ، وَمِيكَ، وَإِسْرَافِ: عُبَيْدُ، وَإِيلُ: اللَّهُ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ سِنَانٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ عَنْ سُفْيَانَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أبي رجاء، عن عمير مَوْلَى ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، قَالَ: إنما كان قوله جبرائيل كقوله عبد الله وعبد الرَّحْمَنِ وَقِيلَ جِبْرِ: عَبْدُ، وَإِيلُ: اللَّهُ. وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، قَالَ: أَتُدْرُونَ مَا اسْمُ جِبْرَائِيلَ مِنْ أَسْمَائِكُمْ؟ قُلْنَا: لَا، قَالَ: اسْمُهُ عَبْدُ الله، وكل اسم مرجعه إلى إيل فهو إلى الله عز

[1] صحيح البخاري (رقاق باب 38) .
اسم الکتاب : تفسير ابن كثير - ط العلمية المؤلف : ابن كثير    الجزء : 1  صفحة : 230
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست