responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير ابن كثير - ط العلمية المؤلف : ابن كثير    الجزء : 1  صفحة : 124
الْكَلَامِ: وَقَالَ رَبُّكَ، وَرَدَّهُ ابْنُ جَرِيرٍ [1] . قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَكَذَا رَدَّهُ جَمِيعُ الْمُفَسِّرِينَ حَتَّى قَالَ الزَّجَّاجُ هَذَا اجْتِرَاءٌ مِنْ أَبِي عُبَيْدَةَ [2] .
إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً أَيْ قَوْمًا يَخْلُفُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا قَرْنًا بَعْدَ قَرْنٍ وَجِيلًا بَعْدَ جيل كما قال تعالى: هُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ [الأنعام: 165] قال: وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفاءَ الْأَرْضِ [النَّمْلِ: 62] وَقَالَ: وَلَوْ نَشاءُ لَجَعَلْنا مِنْكُمْ مَلائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ [الزُّخْرُفِ:
60] وَقَالَ: فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ [مَرْيَمَ: 59] وَقُرِئَ في الشاذ: إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً حكاها الزمخشري وغيره. ونقل الْقُرْطُبِيُّ عَنْ زَيْدِ بْنِ عَلِيٍّ [3] وَلَيْسَ الْمُرَادُ هَاهُنَا بِالْخَلِيفَةِ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَقَطْ كَمَا يَقُولُهُ طَائِفَةٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ، وَعَزَاهُ الْقُرْطُبِيُّ إِلَى ابن عباس وابن مسعود وَجَمِيعِ أَهْلِ التَّأْوِيلِ، وَفِي ذَلِكَ نَظَرٌ بَلِ الخلاف في ذلك كثير، حكاه الرَّازِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ وَغَيْرُهُ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَمْ يرد آدم عينا إذ لو كان ذلك لَمَا حَسُنَ قَوْلُ الْمَلَائِكَةِ: أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ فإنهم أَرَادُوا أَنَّ مِنْ هَذَا الْجِنْسِ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ، وَكَأَنَّهُمْ عَلِمُوا ذَلِكَ بِعِلْمٍ خَاصٍّ أَوْ بِمَا فَهِمُوهُ مِنَ الطَّبِيعَةِ الْبَشَرِيَّةِ، فَإِنَّهُ أَخْبَرَهُمْ أَنَّهُ يَخْلُقُ هَذَا الصِّنْفَ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ، أَوْ فَهِمُوا مِنَ الْخَلِيفَةِ أَنَّهُ الذي يفصل بين الناس في ما يقع بينهم من المظالم ويردعهم عن الْمَحَارِمَ وَالْمَآثِمَ، قَالَهُ الْقُرْطُبِيُّ أَوْ أَنَّهُمْ قَاسُوهُمْ عَلَى مَنْ سَبَقَ كَمَا سَنَذْكُرُ أَقْوَالَ الْمُفَسِّرِينَ فِي ذَلِكَ.
وَقَوْلُ الْمَلَائِكَةِ هَذَا لَيْسَ عَلَى وَجْهِ الِاعْتِرَاضِ عَلَى اللَّهِ وَلَا عَلَى وَجْهِ الْحَسَدِ لِبَنِي آدَمَ كَمَا قَدْ يَتَوَهَّمُهُ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ- وَقَدْ وَصَفَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى بِأَنَّهُمْ لَا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ [4] أَيْ لَا يَسْأَلُونَهُ شَيْئًا لَمْ يَأْذَنْ لَهُمْ فِيهِ، وَهَاهُنَا لَمَّا أَعْلَمَهُمْ بِأَنَّهُ سَيَخْلُقُ فِي الْأَرْضِ خَلْقًا، قَالَ قَتَادَةُ: وَقَدْ تَقَدَّمَ إِلَيْهِمْ أَنَّهُمْ يُفْسِدُونَ فِيهَا، فَقَالُوا: أَتَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها وَيَسْفِكُ الدِّماءَ الْآيَةَ- وَإِنَّمَا هُوَ سُؤَالُ اسْتِعْلَامٍ وَاسْتِكْشَافٍ عَنِ الْحِكْمَةِ فِي ذَلِكَ يَقُولُونَ: يَا رَبَّنَا مَا الْحِكْمَةُ فِي خَلْقِ هَؤُلَاءِ مَعَ أَنَّ مِنْهُمْ مَنْ يُفْسِدُ فِي الْأَرْضِ وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ، فَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ عِبَادَتُكَ فَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ أَيْ نُصَلِّي لَكَ كَمَا سَيَأْتِي. أَيْ وَلَا يَصْدُرُ مِنَّا شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ، وَهَلَّا وَقَعَ الِاقْتِصَارُ عَلَيْنَا؟ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى مُجِيبًا لَهُمْ عَنْ هَذَا السُّؤَالِ: إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ أَيْ إِنِّي أَعْلَمُ مِنَ الْمَصْلَحَةِ الرَّاجِحَةِ فِي خَلْقِ هَذَا الصِّنْفِ عَلَى الْمَفَاسِدِ التي ذكرتموها مالا تعلمون أنتم فإني سأجعل فيهم الأنبياء

[1] تفسير الطبري 1/ 232- 233.
[2] في القرطبي (1/ 262) : «هذا اجترام» . وقال: فالتقدير: وابتدأ خلقكم إذ قال. فكان هذا من المحذوف الذي دل عليه الكلام، كما قال الشاعر:
فإن المنيّة من يخشها ... فسوف تصادفه أينما
قال: يريد أينما ذهب. ويحتمل أن تكون متعلقة بفعل مقدر تقديره: واذكر إذ قال.
[3] العبارة غير واضحة. والحال أن القرطبي يذكر هنا أن زيد بن علي قرأ «خليقة» بالقاف.
[4] كما جاء في سورة الأنبياء، الآية 27: لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ.
اسم الکتاب : تفسير ابن كثير - ط العلمية المؤلف : ابن كثير    الجزء : 1  صفحة : 124
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست