responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير ابن كثير - ت سلامة المؤلف : ابن كثير    الجزء : 2  صفحة : 477
{يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلا الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلا تَقُولُوا ثَلاثَةٌ انْتَهُوا خَيْرًا لَكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَنْ يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلا (171) }
يَنْهَى تَعَالَى أَهْلَ الْكِتَابِ عَنِ الْغُلُوِّ وَالْإِطْرَاءِ، وَهَذَا كَثِيرٌ فِي النَّصَارَى، فَإِنَّهُمْ تَجَاوَزُوا حَدَّ التَّصْدِيقِ بِعِيسَى، حَتَّى رَفَعُوهُ فَوْقَ الْمَنْزِلَةِ الَّتِي أَعْطَاهُ اللَّهُ إِيَّاهَا، فَنَقَلُوهُ مِنْ حَيِّزِ النُّبُوَّةِ إِلَى أَنِ اتَّخَذُوهُ إِلَهًا مِنْ دُونِ اللَّهِ يَعْبُدُونَهُ كَمَا يَعْبُدُونَهُ، بَلْ قَدْ غَلَوْا فِي أَتْبَاعِهِ وَأَشْيَاعِهِ، مِمَّنْ زَعَمَ أَنَّهُ عَلَى دِينِهِ، فادَّعوْا فِيهِمُ الْعِصْمَةَ وَاتَّبَعُوهُمْ فِي كُلِّ مَا قَالُوهُ، سَوَاءٌ كَانَ حَقًا أَوْ بَاطِلًا أَوْ ضَلَالًا أَوْ رَشَادًا، أَوْ صَحِيحًا أَوْ كَذِبًا؛ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لَا إِلَهَ إِلا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [التَّوْبَةِ: 31] .
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا هُشَيم قَالَ: زَعَمَ الزُّهْرِي، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبة بْنِ مَسْعُودٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، عَنْ عُمَرَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وسلم قال: "لَا تُطْرُوني كَمَا أَطْرَتِ النَّصَارَى عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ، فَإِنَّمَا أَنَا عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ".
ثُمَّ رَوَاهُ هُوَ وَعَلِيُّ بْنِ الْمَدِينِيِّ، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنة، عَنِ الزُّهري كَذَلِكَ. وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ الْمَدِينِيِّ: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ سَنَدُهُ [1] وَهَكَذَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ، عَنِ الحُميدي، عَنْ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، بِهِ. وَلَفْظُهُ: "فَإِنَّمَا أَنَا عَبْدٌ، فَقُولُوا: عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ" [2] .
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا حَسَنُ بْنُ مُوسَى، حَدَّثَنَا حمَّاد بْنِ سَلَمَة، عَنْ ثَابِتٍ البُناني، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: أَنَّ رَجُلًا قَالَ: مُحَمَّدٌ يَا سَيِّدَنَا وَابْنَ سَيِّدِنَا، وَخَيْرَنَا وَابْنَ خَيْرِنَا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ "يَا أَيُّهَا النَّاسُ، عَلَيْكُمْ بِقَوْلِكُمْ، وَلَا يَسْتَهْويَنَّكُمُ الشيطانُ، أَنَا محمدُ بنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَبْدُ اللَّهِ وَرَسُولُهُ، وَاللَّهِ مَا أُحِبُّ أَنْ تَرْفَعُونِي فَوْقَ مَنْزِلَتِي الَّتِي أَنْزَلَنِي اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ". تَفَرَّدَ بِهِ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ [3] .
وَقَوْلُهُ: {وَلا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلا الْحَقَّ} أَيْ: لَا تَفْتَرُوا عَلَيْهِ وَتَجْعَلُوا لَهُ صَاحِبَةً وَوَلَدًا -تَعَالَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ عُلُوًّا كَبِيرًا، وَتَنَزَّهَ وَتَقَدَّسَ وَتَوَحَّدَ فِي سُؤْدُدِهِ وَكِبْرِيَائِهِ وَعَظَمَتِهِ -فَلَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، وَلَا رَبَّ سِوَاهُ؛ وَلِهَذَا قَالَ: {إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ} أَيْ: إِنَّمَا هُوَ عَبْدٌ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ وخَلق مِنْ خَلْقِهِ، قَالَ لَهُ: كُنْ فَكَانَ، وَرَسُولٌ مِنْ رُسُلِهِ، وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ، أَيْ: خَلقَه بِالْكَلِمَةِ الَّتِي أَرْسَلَ بِهَا جِبْرِيلَ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، إِلَى مَرْيَمَ، فَنَفْخَ فِيهَا مِنْ رُوحِهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ، عَزَّ وَجَلَّ، فَكَانَ عِيسَى بِإِذْنِ اللَّهِ، عَزَّ وَجَلَّ، وَصَارَتْ تِلْكَ النَّفْخَةُ الَّتِي نَفَخَهَا في جَيْب درعها،

[1] في أ: "مسند".
[2] المسند (1/23، 24) وصحيح البخاري برقم (3445) .
[3] المسند (3/153) وهو على شرط مسلم.
اسم الکتاب : تفسير ابن كثير - ت سلامة المؤلف : ابن كثير    الجزء : 2  صفحة : 477
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست