responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير ابن كثير - ت سلامة المؤلف : ابن كثير    الجزء : 2  صفحة : 429
عِنْدَ رَافِعِ بْنِ خَدِيجٍ فِكْرِهَ مِنْهَا أَمْرًا إِمَّا كِبَرًا أَوْ غَيْرَهُ فَأَرَادَ طَلَاقَهَا فَقَالَتْ: لَا تُطَلِّقْنِي وَاقْسِمْ لِي مَا بَدَا لَكَ. فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا} الْآيَةَ.
وَقَدْ رَوَاهُ الْحَاكِمُ فِي مُسْتَدْرَكِهِ، مِنْ طَرِيقِ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَر، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ بِأَطْوَلِ مِنْ هَذَا السِّيَاقِ [1] .
وَقَالَ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَيْهَقِيُّ: أَخْبَرَنَا أَبُو سَعِيدِ بْنِ أَبِي عَمْرٍو، حَدَّثَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ المُزَني، أَنْبَأَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى، حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، أَخْبَرَنِي شُعَيْبُ بْنُ أَبِي حَمْزَةَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ وَسُلَيْمَانُ بْنُ يَسَار: أَنَّ السُّنَّة فِي هَاتَيْنِ الْآيَتَيْنِ اللَّتَيْنِ ذَكَرَ اللَّهُ فِيهِمَا نُشُوزَ الْمَرْءِ وَإِعْرَاضَهُ عَنِ امْرَأَتِهِ فِي قَوْلِهِ: {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا} إِلَى تَمَامِ الْآيَتَيْنِ، أَنَّ الْمَرْءَ [2] إِذَا نَشَزَ عَنِ امْرَأَتِهِ وَآثَرَ عَلَيْهَا، فَإِنَّ مِنَ الْحَقِّ أَنْ يَعْرِضَ عَلَيْهَا أَنْ يُطَلِّقَهَا أَوْ تَسْتَقِرَّ عِنْدَهُ عَلَى مَا كَانَتْ مِنْ أَثَرَةٍ فِي القَسْم مِنْ مَالِهِ وَنَفْسِهِ، فَإِنِ اسْتَقَرَّتْ عِنْدَهُ عَلَى ذَلِكَ، وَكَرِهَتْ أَنْ يُطَلِّقَهَا، فَلَا حَرَجَ عَلَيْهِ فِيمَا آثَرَ عَلَيْهَا مِنْ ذَلِكَ، فَإِنْ لَمْ يَعْرِضْ عَلَيْهَا الطَّلَاقَ، وَصَالَحَهَا عَلَى أَنْ يُعْطِيَهَا مِنْ مَالِهِ مَا تَرْضَاهُ وَتَقِرَّ عِنْدَهُ عَلَى الْأَثَرَةِ فِي القَسْم مِنْ مَالِهِ وَنَفْسِهِ، صَلَحَ لَهُ ذَلِكَ، وَجَازَ صُلْحُهَا عَلَيْهِ، كَذَلِكَ ذَكَرَ سَعِيدُ بْنُ المسيَّب وَسُلَيْمَانُ الصُّلحَ الَّذِي قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ {فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحًا وَالصُّلْحُ خَيْر} .
وَقَدْ ذُكِرَ لِي أَنَّ رَافِعَ بْنَ خُدَيْج الْأَنْصَارِيَّ -وَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-كَانَتْ عِنْدَهُ امْرَأَةٌ حَتَّى إِذَا كَبِرَتْ تَزَوَّجَ عَلَيْهَا فَتَاةً شَابَّةً، وَآثَرَ عَلَيْهَا الشَّابَّةَ، فَنَاشَدَتْهُ الطَّلَاقَ فَطَلَّقَهَا تَطْلِيقَةً، ثُمَّ أَمْهَلَهَا، حَتَّى إِذَا كَادَتْ تحل راجعها، ثم عاد فآثر الشابة عليها فَنَاشَدَتْهُ الطَّلَاقَ فَطَلَّقَهَا تَطْلِيقَةً أُخْرَى، ثُمَّ أَمْهَلَهَا، حتى إذا كادت تحل راجعها، ثم عاد فآثر الشابة عليها، فناشدنه الطَّلَاقَ فَقَالَ لَهَا: مَا شئتِ، إِنَّمَا بَقِيَتْ لَكِ تَطْلِيقَةٌ وَاحِدَةٌ، فَإِنْ شئتِ استقررتِ عَلَى مَا تَريْن مِنَ الْأَثَرَةِ، وَإِنْ شِئْتِ فَارَقْتُكِ، فَقَالَتْ: لَا بَلْ أَسْتَقِرُّ عَلَى الْأَثَرَةِ. فَأَمْسَكَهَا عَلَى ذَلِكَ، فَكَانَ ذَلِكَ صُلْحَهُمَا، وَلَمْ يَرَ رَافِعٌ عَلَيْهِ إِثْمًا حِينَ رَضِيَتْ [3] أَنْ تَسْتَقِرَّ عِنْدَهُ عَلَى الْأَثَرَةِ فِيمَا آثَرَ بِهِ عَلَيْهَا.
وَهَذَا رَوَاهُ بِتَمَامِهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي حَاتِمٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي الْيَمَانِ، عَنْ شُعَيْبٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيَّبِ، وَسُلَيْمَانَ بْنِ يَسَارٍ، فَذَكَرَهُ بِطُولِهِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ (4)
وَقَوْلُهُ: {وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: يَعْنِي التَّخْيِيرَ، أَنْ يُخَيِّرَ الزَّوْجُ لَهَا بَيْنَ الْإِقَامَةِ وَالْفِرَاقِ، خَيْرٌ مِنْ تَمَادِي الزَّوْجِ عَلَى أَثَرَةِ غَيْرِهَا عَلَيْهَا.
وَالظَّاهِرُ مِنَ الْآيَةِ أَنَّ صُلْحَهُمَا عَلَى تَرْكِ بَعْضِ حَقِّهَا لِلزَّوْجِ، وَقَبُولِ الزَّوْجِ ذَلِكَ، خَيْرٌ مِنَ الْمُفَارَقَةِ بِالْكُلِّيَّةِ، كَمَا أَمْسَكَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَوْدَةَ بِنْتَ زَمْعة عَلَى أَنْ تَرَكَتْ يَوْمَهَا لِعَائِشَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، وَلَمْ يُفَارِقْهَا بَلْ تَرَكَهَا مِنْ جُمْلَةِ نِسَائِهِ، وَفِعْلُهُ ذَلِكَ لِتَتَأَسَّى بِهِ أُمَّتُهُ فِي مَشْرُوعِيَّةٍ ذَلِكَ وَجَوَازِهِ، فَهُوَ أَفْضَلُ فِي حَقِّهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ. وَلَمَّا كَانَ الْوِفَاقُ أَحَبَّ إِلَى اللَّهِ [عَزَّ وَجَلَّ] [5] مِنَ الْفِرَاقِ قَالَ: {وَالصُّلْحُ خَيْرٌ}

[1] المستدرك (2/308) ورواه الواحدي في أسباب النزول برقم (128) من طريق الربيع عن الشافعي به.
[2] في ر، أ: "المراد".
[3] في أ: "عليها أنها حين رضيت".
(4) السنن الكبرى (7/296) .
[5] زيادة من ر.
اسم الکتاب : تفسير ابن كثير - ت سلامة المؤلف : ابن كثير    الجزء : 2  صفحة : 429
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست