responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير ابن كثير - ت سلامة المؤلف : ابن كثير    الجزء : 2  صفحة : 381
الْقَاتِلِ إِلَى النَّارِ، أَمَّا عَلَى قَوْلِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَمَنْ وَافَقَهُ أَنَّهُ لَا تَوْبَةَ لَهُ، أَوْ عَلَى قَوْلِ الْجُمْهُورِ حَيْثُ لَا عَمَلَ لَهُ صَالِحًا [1] يَنْجُو بِهِ، فَلَيْسَ يَخْلُدُ فِيهَا أَبَدًا، بَلِ الْخُلُودُ هُوَ الْمُكْثُ الطَّوِيلُ. وَقَدْ تَوَارَدَتِ [2] الْأَحَادِيثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: أَنَّهُ يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ أَدْنَى ذَرَّةٍ [3] مِنْ إِيمَانٍ. وَأَمَّا حَدِيثُ مُعَاوِيَةَ: "كُلُّ ذَنْبٍ عَسَى اللَّهُ أن يغفره إلا الرجل يموت كافرا، أو الرَّجُلُ يَقْتُلُ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا": "عَسَى" لِلتَّرَجِّي، فَإِذَا انْتَفَى التَّرَجِّي فِي هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ لَا يَنْتَفَى وُقُوعُ ذَلِكَ فِي أَحَدِهِمَا، وَهُوَ الْقَتْلُ؛ لِمَا ذَكَرْنَا مِنَ الْأَدِلَّةِ. وَأَمَّا مَنْ مَاتَ كَافِرًا؛ فَالنَّصُّ أَنَّهُ لَا يُغْفَرُ لَهُ الْبَتَّةَ، وَأَمَّا مُطَالَبَةُ الْمَقْتُولِ الْقَاتِلَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَإِنَّهُ حَقٌّ مِنْ حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ وَهِيَ لَا تَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ، ولا فرق بين المقتول والمسروق منه، والمغضوب مِنْهُ وَالْمَقْذُوفِ وَسَائِرِ حُقُوقِ الْآدَمِيِّينَ، فَإِنَّ الْإِجْمَاعَ مُنْعَقِدٌ عَلَى أَنَّهَا لَا تَسْقُطُ بِالتَّوْبَةِ، وَلَا بُدَّ مِنْ أَدَائِهَا إِلَيْهِمْ فِي صِحَّةِ التَّوْبَةِ، فَإِنَّ تَعَذَّرَ ذَلِكَ فَلَا بُدَّ مِنَ الطِّلَابَةِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، لَكِنْ لَا يَلْزَمُ مِنْ وُقُوعِ الطِّلَابَةِ وُقُوعُ الْمُجَازَاةِ، وَقَدْ [4] يَكُونُ لِلْقَاتِلِ أَعْمَالٌ صَالِحَةٌ تُصْرَفُ إِلَى الْمَقْتُولِ أَوْ بَعْضُهَا، ثُمَّ يَفْضُلُ لَهُ أَجْرٌ يَدْخُلُ بِهِ [5] الْجَنَّةَ، أَوْ يعوض الله المقتول من فضله بمايشاء، مِنْ قُصُورِ الْجَنَّةِ وَنَعِيمِهَا، وَرَفْعِ دَرَجَتِهِ فِيهَا وَنَحْوِ ذَلِكَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
ثُمَّ لِلْقَتْلِ الْعَمْدِ أَحْكَامٌ فِي الدُّنْيَا وَأَحْكَامٌ فِي الْآخِرَةِ [6] أَمَّا [فِي] [7] الدُّنْيَا فَتَسَلُّطُ [8] أَوْلِيَاءِ الْمَقْتُولِ عَلَيْهِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا [فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا] [9] } [الْإِسْرَاءِ: 33] ثُمَّ هُمْ مُخَيَّرُونَ بَيْنَ أَنْ يَقْتُلُوا، أَوْ يَعْفُوا، أَوْ يَأْخُذُوا دِيَةً مُغَلَّظَةً أَثْلَاثًا: ثَلَاثُونَ حِقَّة، وَثَلَاثُونَ جَذْعَة، وَأَرْبَعُونَ خَلِفَه [10] كَمَا هُوَ مُقَرَّرٌ [11] فِي كُتُبِ الْأَحْكَامِ.
وَاخْتَلَفَ الْأَئِمَّةُ: هَلْ تَجِبُ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ عِتْقُ رَقَبَةٍ، أَوْ صِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ، أَوْ إِطْعَامٌ؟ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي كَفَّارَةِ الْخَطَأِ، عَلَى قَوْلَيْنِ: فَالشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُ وَطَائِفَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ يَقُولُونَ: نَعَمْ، يَجِبُ [12] عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ إِذَا وَجَبَتِ الْكَفَّارَةُ فِي الْخَطَأِ فَلَأَنْ تَجِبُ عَلَيْهِ فِي الْعَمْدِ أَوْلَى. وَطَرَدُوا هَذَا فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ الغَمُوس، وَاعْتَضْدُوا بِقَضَاءِ الصَّلَوَاتِ الْمَتْرُوكَةِ عَمْدًا، كَمَا أَجْمَعُوا عَلَى ذَلِكَ فِي الْخَطَأِ.
قَالَ أَصْحَابُ الْإِمَامِ أَحْمَدَ وَآخَرُونَ: قَتْلُ الْعَمْدِ أَعْظَمُ مِنْ أَنْ يُكَفَّرَ، فَلَا كَفَّارَةَ فِيهِ، وَكَذَا الْيَمِينُ الْغَمُوسُ، وَلَا سَبِيلَ لَهُمْ إِلَى الْفَرْقِ بَيْنَ هَاتَيْنِ الصُّورَتَيْنِ وَبَيْنَ الصَّلَاةِ الْمَتْرُوكَةِ عَمْدًا، فَإِنَّهُمْ يَقُولُونَ: بِوُجُوبِ قَضَائِهَا وَإِنْ تُرِكَتْ عَمْدًا.
وَقَدِ احْتَجَّ مَنْ ذَهَبَ إِلَى وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ فِي قَتْلِ الْعَمْدِ بِمَا رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ حَيْثُ قَالَ: حَدَّثَنَا عَارِمُ بْنُ الْفَضْلِ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ أَبِي عَبْلَة، عَنِ الغَرِيف بْنِ عَيَّاشٍ، عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ قَالَ: أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَفَرٌ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ فَقَالُوا: إِنَّ صَاحِبًا لَنَا قَدْ أَوْجَبَ. قَالَ: "فَلْيُعْتِقْ رَقَبَةً، يَفْدِي اللَّهُ بِكُلِّ عُضْوٍ مِنْهَا عضوا [13] منه من النار" [14] .

[1] في ر: "صالح".
[2] في أ: "وفيه تواترات".
[3] في ر، أ: "مثقال".
[4] في ر: "إذ قد".
[5] في ر: "بها".
[6] في ر: "الأخرى".
[7] زيادة من ر، أ.
[8] في أ: "فيسلط".
[9] زيادة من ك، أ. وفي هـ: "الآية".
[10] في ر: "حقه"، وفي أ: "بياض".
[11] في ر: "مقدر".
[12] في ر، أ: "تجب".
[13] في ر: "عضو".
[14] المسند (4/107) .
اسم الکتاب : تفسير ابن كثير - ت سلامة المؤلف : ابن كثير    الجزء : 2  صفحة : 381
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست