responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير ابن كثير - ت سلامة المؤلف : ابن كثير    الجزء : 2  صفحة : 347
{ثُمَّ جَاءُوكَ يَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنْ أَرَدْنَا إِلا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا} أَيْ: يَعْتَذِرُونَ إِلَيْكَ وَيَحْلِفُونَ: مَا أَرَدْنَا بِذَهَابِنَا إِلَى غَيْرِكَ، وَتَحَاكُمِنَا إِلَى عَدَاكَ إِلَّا الْإِحْسَانَ وَالتَّوْفِيقَ، أَيِ: الْمُدَارَاةَ وَالْمُصَانَعَةَ، لَا اعْتِقَادًا مِنَّا صِحَّةَ تِلْكَ الْحُكُومَةِ، كَمَا أَخْبَرَنَا تَعَالَى عَنْهُمْ فِي قَوْلِهِ: {فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشَى [أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللَّهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ] [1] فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نَادِمِينَ} [الْمَائِدَةِ:52] .
وَقَدْ قَالَ الطَّبَرَانِيُّ: حَدَّثَنَا أَبُو زَيْدٍ أَحْمَدُ بْنُ يَزِيدَ الحَوْطِيّ، حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، حَدَّثَنَا صَفْوَانُ بْنُ عُمَرَ، عَنْ عِكْرِمَةَ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. قَالَ: كَانَ أَبُو بَرْزَة الْأَسْلَمِيُّ كَاهِنًا يَقْضِي بَيْنَ الْيَهُودِ فِيمَا يَتَنَافَرُونَ فِيهِ فَتَنَافَرَ إِلَيْهِ نَاسٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ آمَنُوا بِمَا أُنزلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنزلَ مِنْ قَبْلِكَ [يُرِيدُونَ أَنْ يَتَحَاكَمُوا إِلَى الطَّاغُوتِ] [2] } إِلَى قَوْلِهِ: {إِنْ أَرَدْنَا إِلا إِحْسَانًا وَتَوْفِيقًا}
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ يَعْلَمُ اللَّهُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ} [أَيْ] [3] هَذَا الضَّرْبُ مِنَ النَّاسِ هُمُ الْمُنَافِقُونَ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي قُلُوبِهِمْ وَسَيَجْزِيهِمْ عَلَى ذَلِكَ، فَإِنَّهُ لَا تَخْفَى عَلَيْهِ خَافِيَةٌ، فَاكْتَفِ بِهِ يَا مُحَمَّدُ فِيهِمْ، فَإِنَّ اللَّهَ عَالِمٌ بِظَوَاهِرِهِمْ وَبَوَاطِنِهِمْ؛ وَلِهَذَا قَالَ لَهُ: {فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ} أَيْ: لَا تُعَنِّفْهُمْ عَلَى مَا فِي قُلُوبِهِمْ {وَعِظْهُمْ} أَيْ: وَانْهَهُمْ [4] عَلَى مَا فِي قُلُوبِهِمْ مِنَ النِّفَاقِ وَسَرَائِرِ الشَّرِّ {وَقُلْ لَهُمْ فِي أَنْفُسِهِمْ قَوْلا بَلِيغًا} أَيْ: وَانْصَحْهُمْ فِيمَا بَيْنَكَ وَبَيْنَهُمْ بِكَلَامٍ بَلِيغٍ رَادِعٍ [5] لَهُمْ.
{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلا لِيُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا (64) فَلا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمَا (65) }
يَقُولُ تَعَالَى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلا لِيُطَاعَ} أَيْ: فُرِضَتْ طَاعَتُهُ عَلَى مَنْ أَرْسَلَهُ [6] إِلَيْهِمْ وَقَوْلُهُ: {بِإِذْنِ اللَّهِ} قَالَ مُجَاهِدٌ: أَيْ لَا يُطِيعُ أَحَدٌ إِلَّا بِإِذْنِي. يَعْنِي: لَا يُطِيعُهُمْ إِلَّا مَنْ وَفَّقْتُهُ لِذَلِكَ، كَقَوْلِهِ: {وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ} [آلِ عِمْرَانَ:52] أَيْ: عَنْ أَمْرِهِ وَقَدْرِهِ وَمَشِيئَتِهِ، وَتَسْلِيطِهِ إِيَّاكُمْ عَلَيْهِمْ.
وقوله: {وَلَوْ أَنْهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا} يُرْشِدُ تَعَالَى الْعُصَاةَ وَالْمُذْنِبِينَ إِذَا وَقَعَ مِنْهُمُ الْخَطَأُ وَالْعِصْيَانُ أَنْ يَأْتُوا إِلَى الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَسْتَغْفِرُوا اللَّهَ عِنْدَهُ، وَيَسْأَلُوهُ أَنْ يَسْتَغْفِرَ لَهُمْ، فَإِنَّهُمْ إِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ تَابَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَرَحِمَهُمْ وَغَفَرَ لَهُمْ، وَلِهَذَا قَالَ: {لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا}
وَقَدْ ذَكَرَ جَمَاعَةٌ مِنْهُمْ: الشَّيْخُ أَبُو نَصْرِ بْنُ الصَّبَّاغِ فِي كِتَابِهِ "الشَّامِلِ" الْحِكَايَةَ الْمَشْهُورَةَ عَنْ

[1] زيادة من أ، وفي هـ: "إلى قوله".
[2] زيادة من أ.
[3] زيادة من د، أ.
[4] في ر: "انههم".
[5] في ر: "وادع".
[6] في ر: "أرسلته".
اسم الکتاب : تفسير ابن كثير - ت سلامة المؤلف : ابن كثير    الجزء : 2  صفحة : 347
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست