responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير ابن كثير - ت سلامة المؤلف : ابن كثير    الجزء : 2  صفحة : 345
تُجِيرُ؟ فَاسْتَبَّا وَارْتَفَعَا إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَأَجَازَ أَمَانَ عَمَّارٍ، وَنَهَاهُ أَنْ يُجِيرَ الثَّانِيَةَ عَلَى أَمِيرٍ. فَاسْتَبَّا عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ خَالِدٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَتَتْرُكُ هَذَا الْعَبْدَ الْأَجْدَعَ يَسُبُّني، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يَا خَالِدُ، لَا تَسُبَّ عَمَّارًا، فَإِنَّهُ مَنْ يَسُبُّ عَمَّارًا يَسُبَّهُ اللَّهُ، وَمَنْ يُبْغِضْهُ يُبْغِضْهُ اللَّهُ وَمَنْ يَلْعَنْ عَمَّارًا يَلْعَنْهُ اللَّهُ" [1] فَغَضِبَ عَمَّارٌ فَقَامَ، فَتَبِعَهُ خَالِدٌ حَتَّى أَخَذَ بِثَوْبِهِ فَاعْتَذَرَ إِلَيْهِ، فَرَضِيَ عَنْهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ قَوْلَهُ: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأمْرِ مِنْكُمْ}
وَهَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، مِنْ طَرِيقِ عَنِ السُّدِّيِّ، مُرْسَلًا. وَرَوَاهُ ابن مردويه من رواية الحكم [2] بن ظُهَيْرٍ، عَنِ السُّدِّيُّ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، فَذَكَرَهُ بِنَحْوِهِ [3] وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عباس: {وَأُولِي الأمْرِ مِنْكُمْ} يَعْنِي: أَهَّلَ الْفِقْهِ وَالدِّينِ. وَكَذَا قَالَ مُجَاهِدٌ، وَعَطَاءٌ، وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ، وَأَبُو الْعَالِيَةِ: {وَأُولِي الأمْرِ مِنْكُمْ} يَعْنِي: الْعُلَمَاءُ. وَالظَّاهِرُ -وَاللَّهُ أَعْلَمُ-أَنَّ الْآيَةَ فِي جَمِيعِ [4] أُولِي الْأَمْرِ مِنَ الْأُمَرَاءِ وَالْعُلَمَاءِ، كَمَا تَقَدَّمَ. وَقَدْ قَالَ تَعَالَى: {لَوْلا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالأحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الإثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ} [الْمَائِدَةِ:63] وَقَالَ تَعَالَى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النَّحْلِ:43] وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "مَنْ أَطَاعَنِي فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدَ عَصَا اللَّهَ، وَمَنْ أَطَاعَ أَمِيرِي فَقَدْ أَطَاعَنِي، وَمَنْ عَصَا أَمِيرِي فَقَدْ عَصَانِي" [5] .
فَهَذِهِ أَوَامِرٌ بِطَاعَةِ الْعُلَمَاءِ وَالْأُمَرَاءِ، وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: {أَطِيعُوا اللَّهَ} أَيْ: اتَّبِعُوا كِتَابَهُ {وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} أَيْ: خُذُوا بِسُنَّتِهِ {وَأُولِي الأمْرِ مِنْكُمْ} أَيْ: فِيمَا أَمَرُوكُمْ بِهِ مِنْ طَاعَةِ اللَّهِ لَا فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ، فَإِنَّهُ لَا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ، كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ: "إِنَّمَا الطَّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ". وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ:
حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ، حَدَّثَنَا هُمَامٌ، حَدَّثَنَا قَتَادَةُ، عَنْ أَبِي مرابة، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "لَا طَاعَةَ فِي مَعْصِيَةِ اللَّهِ" [6] .
وَقَوْلُهُ: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} قَالَ مُجَاهِدٌ وَغَيْرُ وَاحِدٍ مِنَ السَّلَفِ: أَيْ: إِلَى كِتَابِ اللَّهِ وَسَنَةِ رَسُولِهِ.
وَهَذَا أَمْرٌ مِنَ اللَّهِ، عَزَّ وَجَلَّ، بِأَنَّ كُلَّ شَيْءٍ تَنَازَعَ النَّاسُ [7] فِيهِ مِنْ أُصُولِ الدِّينِ وَفُرُوعِهِ أَنْ يَرُدَّ التَّنَازُعَ فِي ذَلِكَ إِلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ} [الشُّورَى:10] فَمَا حَكَمَ بِهِ كِتَابُ اللَّهِ وَسُنَّةُ رَسُولِهِ وَشَهِدَا لَهُ بِالصِّحَّةِ فَهُوَ الْحَقُّ، وَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ، وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: {إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ} أَيْ: ردوا الخصومات والجهالات

[1] في أ: "من أبغض عمارا أبغضه الله، ومن لعن عمارا لعنه الله".
[2] في ر: "الحاكم".
[3] تفسير الطبري (8/498)
[4] في ر، أ: "كل".
[5] رواه البخاري في صحيحه برقم (7137) ، ومسلم في صحيحه برقم (1835) .
[6] المسند (4/426) .
[7] في د: "المسلمون".
اسم الکتاب : تفسير ابن كثير - ت سلامة المؤلف : ابن كثير    الجزء : 2  صفحة : 345
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست