responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير ابن كثير - ت سلامة المؤلف : ابن كثير    الجزء : 2  صفحة : 313
ثُمَّ قَالَ [1] ابْنُ جَرِيرٍ -بَعْدَ حِكَايَتِهِ الْقَوْلَيْنِ-: والأوْلَى قَوْلُ مَنْ قَالَ: {وَلا جُنُبًا إِلا عَابِرِي سَبِيلٍ} إِلَّا مُجْتَازِي طَرِيقٍ فِيهِ. وَذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ بَيَّنَ حُكْمَ الْمُسَافِرِ إِذَا عَدِمَ الْمَاءَ وَهُوَ جُنُبٌ فِي قَوْلِهِ: أَوْ {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِّنْكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا [2] } [الْمَائِدَةِ: [6]] إِلَى آخِرِهِ. فَكَانَ مَعْلُومًا بِذَلِكَ أَنَّ قَوْلَهُ: {وَلا جُنُبًا إِلا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا} لَوْ كَانَ مَعْنِيًّا بِهِ الْمُسَافِرُ، لَمْ يَكُنْ لِإِعَادَةِ ذِكْرِهِ فِي قَوْلِهِ: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ} مَعْنًى مَفْهُومٌ، وَقَدْ مَضَى حَكْمُ ذِكْرِهِ قَبْلَ ذَلِكَ، فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ، فَتَأْوِيلُ الْآيَةِ: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الْمَسَاجِدَ لِلصَّلَاةِ مُصَلِّينَ فِيهَا وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ، وَلَا تَقْرَبُوهَا أَيْضًا جَنْبًا حَتَّى تَغْتَسِلُوا، إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ. قَالَ: وَالْعَابِرُ [3] السَّبِيلَ: الْمُجْتَازُ مَرّا وَقَطْعًا. يُقَالُ مِنْهُ: "عَبَرْتُ هَذَا الطَّرِيقَ فَأَنَا أعبُره عَبْرًا وَعُبُورًا" وَمِنْهُ قِيلَ: "عَبَرَ فُلَانٌ النَّهْرَ" إِذَا قَطَعَهُ وَجَاوَزَهُ. وَمِنْهُ قِيلَ لِلنَّاقَةِ الْقَوِيَّةِ عَلَى الْأَسْفَارِ: هِيَ عُبْرُ أَسْفَارٍ وعَبْر أَسْفَارٍ؛ لِقُوَّتِهَا عَلَى قَطْعِ الْأَسْفَارِ.
وَهَذَا الَّذِي نَصَرَهُ هُوَ قولُ الْجُمْهُورِ، وَهُوَ الظَّاهِرُ مِنَ الْآيَةِ، وَكَأَنَّهُ تَعَالَى نَهَى عَنْ تَعَاطِي الصَّلَاةِ عَلَى هَيْئَةٍ نَاقِصَةٍ تُنَاقِضُ مَقْصُودَهَا، وَعَنِ الدُّخُولِ إِلَى مَحَلِّهَا عَلَى هَيْئَةٍ نَاقِصَةٍ، وَهِيَ الْجَنَابَةُ الْمُبَاعِدَةُ لِلصَّلَاةِ وَلِمَحَلِّهَا أَيْضًا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَوْلُهُ: {حَتَّى تَغْتَسِلُوا} دَلِيلٌ لِمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْأَئِمَّةُ الثَّلَاثَةُ: أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالُكٌ وَالشَّافِعِيُّ: أَنَّهُ يَحْرُمُ عَلَى الْجُنُبِ الْمُكْثُ فِي المسجدِ حَتَّى يَغْتَسِلَ أَوْ يَتَيَمَّمَ، إِنَّ عَدِمَ الْمَاءَ، أَوْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى اسْتِعْمَالِهِ بِطَرِيقَةٍ. وَذَهَبَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ إِلَى أَنَّهُ مَتَى تَوَضَّأَ الْجُنُبُ جَازَ لَهُ الْمُكْثُ فِي المسجدِ، لِمَا رَوَى [4] هُوَ وَسَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ فِي سُنَنِهِ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ: أَنَّ الصَّحَابَةَ كَانُوا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ؛ قَالَ سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ:
حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ مُحَمَّدٍ -هُوَ [5] الدرَاوَرْدِي-عَنْ هِشَام بنِ سَعْدٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَار قَالَ: رَأَيْتُ رِجَالًا [6] مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَجْلِسُونَ فِي الْمَسْجِدِ وَهُمْ مُجْنِبُونَ [7] إِذَا تَوَضَؤُوا وُضُوءَ الصَّلَاةِ، وَهَذَا إِسْنَادٌ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ، فَاللَّهُ [8] أَعْلَمُ.
وَقَوْلُهُ: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا} أَمَّا الْمَرَضُ الْمُبِيحُ لِلتَّيَمُّمِ، فَهُوَ الَّذِي يُخَافُ مَعَهُ مِنِ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ فواتُ عُضْوٍ أَوْ شَيْنه أَوْ تَطْوِيلُ البُرء. وَمِنَ الْعُلَمَاءِ مَنْ جَوّز التَّيَمُّمَ بِمُجَرَّدِ الْمَرَضِ لِعُمُومِ الْآيَةِ. وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا أَبُو غسَّان مالكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، حَدَّثَنَا قَيْسُ عَنْ خَصِيف [9] عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ: {وَإِنْ كُنْتُمْ مَرْضَى} قَالَ: نَزَلَتْ فِي رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ، كَانَ مَرِيضًا فَلَمْ يَسْتَطِعْ أَنْ يَقُومَ فَيَتَوَضَّأَ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ خَادِمٌ فَيُنَاوِلُهُ، فَأَتَى رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ.
هَذَا مُرْسَلٌ. وَالسَّفَرُ مَعْرُوفٌ، ولا فرق فيه بين الطويل والقصير.

[1] في أ: "وقال".
[2] زيادة من ر، أ.
[3] في ر: "فالعابر".
[4] في أ: "رواه".
[5] في أ: "وهو".
[6] في أ: "رجلا" وهو خطأ.
[7] في أ: "مجتنبون".
[8] في أ: "والله".
[9] في أ: "حصيف".
اسم الکتاب : تفسير ابن كثير - ت سلامة المؤلف : ابن كثير    الجزء : 2  صفحة : 313
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست