responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير ابن كثير - ت سلامة المؤلف : ابن كثير    الجزء : 2  صفحة : 265
بَيْنَهُمَا لَوْ لَمْ تَكُنِ الْآيَةُ نَزَلَتْ، لَكِنْ لَمَّا عَلِمُوا حُكْمَ أَحَدِ الْحُكْمَيْنِ سَأَلُوا عَنْ حُكْمِ الْحَالِ الْآخَرِ، فَبَيَّنَهُ لَهُمْ. كَمَا [ثَبَتَ] [1] فِي الصَّحِيحَيْنِ أَنَّهُمْ لَمَّا سَأَلُوهُ عَنِ الصَّلَاةِ عَلَيْهِ، فَذَكَرَهَا لَهُمْ ثُمَّ قَالَ: "وَالسَّلَامُ مَا قَدْ [2] عَلِمْتُمْ" وَفِي لَفْظٍ: لَمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ قَوْلَهُ: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [الْأَحْزَابِ:56] قَالُوا: هَذَا السَّلَامُ عَلَيْكَ قَدْ عَرَّفْنَاهُ، فَكَيْفَ الصَّلَاةُ عَلَيْكَ؟ وَذَكَرَ الْحَدِيثَ، وَهَكَذَا هَذَا السُّؤَالُ [3] .
الْجَوَابُ الرَّابِعُ -عَنْ مَفْهُومِ الْآيَةِ-: جَوَابُ أَبِي ثَوْرٍ، فَإِنَّ مِنْ مَذْهَبِهِ مَا هُوَ أَغْرَبُ مِنْ قَوْلِ دَاوُدَ مِنْ وُجُوهٍ، ذَلِكَ أَنَّهُ يَقُولُ [4] فَإِذَا أحْصن فَإِنَّ عَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ [5] الْمُزَوَّجَاتِ وَهُوَ الرَّجْمُ، وَهُوَ لَا يَتَنَاصَفُ [6] فَيَجِبُ أَنْ تُرْجَمَ الْأَمَّةُ الْمُحَصَنَةُ إِذَا زَنَتْ، وَأَمَّا قَبْلَ الْإِحْصَانِ فَيَجِبُ جَلْدُهَا خَمْسِينَ. فَأَخْطَأَ فِي فَهْمِ الْآيَةِ وَخَالَفَ الْجُمْهُورَ فِي الْحُكْمِ، بَلْ قَدْ قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الشَّافِعِيُّ، رَحِمَهُ اللَّهُ: وَلَمْ يَخْتَلِفِ الْمُسْلِمُونَ فِي أَنْ لَا رَجْمَ عَلَى مَمْلُوكٍ فِي الزِّنَا؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْآيَةَ دَلَّتْ عَلَى أَنَّ عَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ، وَالْأَلِفُ وَاللَّامُ فِي الْمُحْصَنَاتِ لِلْعَهْدِ، وَهُنَّ الْمُحْصَنَاتُ الْمَذْكُورَاتُ فِي أَوَّلِ الْآيَةِ: {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ} وَالْمُرَادُ بِهِنَّ الْحَرَائِرُ فَقَطْ، مِنْ غَيْرِ تَعَرُّضٍ لِتَزْوِيجِ غَيْرِهِ، وَقَوْلِهِ: {نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ} يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ مِنَ الْعَذَابِ الَّذِي يُمْكِنُ تَنْصِيفُهُ [7] وَهُوَ الْجَلْدُ لَا الرَّجْمُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
ثُمَّ قَدْ رَوَى الْإِمَامُ أَحْمَدُ [حَدِيثًا] [8] نَصا فِي رَدِّ مَذْهَبِ أَبِي ثَوْرٍ مِنْ رِوَايَةِ الْحَسَنِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ صَفِيَّةَ [9] كَانَتْ قَدْ زَنَتْ بِرَجُلٍ مِنَ الْحُمْسِ، فَوَلَدَتْ غُلَامًا، فَادَّعَاهُ الزَّانِي، فَاخْتَصَمَا إِلَى عُثْمَانَ [بْنِ عَفَّانَ] [10] فَرَفَعَهُمَا [11] إِلَى عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، فَقَالَ عَلِيٌّ: أَقْضِي فِيهِمَا [12] بِقَضَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الْوَلَدُ للفِرَاش وللعَاهِر الحَجَر" وَجَلَدَهُمَا خَمْسِينَ خَمْسِينَ [13] .
وَقِيلَ: بَلِ الْمُرَادُ مِنَ الْمَفْهُومِ التَّنْبِيهُ بِالْأَعْلَى عَلَى الْأَدْنَى، أَيْ: أَنَّ الْإِمَاءَ عَلَى النِّصْفِ مِنَ [14] الْحَرَائِرِ فِي الْحَدِّ وَإِنْ كُنَّ مُحْصَنَاتٍ، وَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ رَجْمٌ أَصْلًا لَا قَبْلَ النِّكَاحِ وَلَا بَعْدَهُ، وَإِنَّمَا عَلَيْهِنَّ الْجَلْدُ فِي الْحَالَتَيْنِ بِالسُّنَّةِ. قَالَ [15] ذَلِكَ صَاحِبُ الْإِفْصَاحِ عَنِ الشَّافِعِيِّ، فِيمَا رَوَاهُ ابْنُ عَبْدِ الْحَكَمِ، عَنْهُ. وَقَدْ ذَكَرَهُ [16] الْبَيْهَقِيُّ فِي كِتَابِ السُّنَنِ وَالْآثَارِ، وَهُوَ بَعِيدٌ عَنْ لَفْظِ الْآيَةِ؛ لِأَنَّا إِنَّمَا اسْتَفَدْنَا تَنْصِيفَ [17] الْحَدِّ مِنَ الْآيَةِ لَا مِنْ سِوَاهَا، فَكَيْفَ يُفْهَمُ مِنْهَا التَّنْصِيفُ فِيمَا عَدَاهَا، وَقَالَ: بَلْ أُرِيدُ بِأَنَّهَا فِي حَالِ الْإِحْصَانِ لَا يُقِيمُ الْحَدَّ عَلَيْهَا إِلَّا الْإِمَامُ، وَلَا يَجُوزُ لِسَيِّدِهَا إِقَامَةُ الْحَدِّ عَلَيْهَا وَالْحَالَةُ هَذِهِ -وَهُوَ قَوْلٌ فِي مَذْهَبِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ رَحِمَهُ اللَّهُ-فَأَمَّا قَبْلَ الْإِحْصَانِ فَلَهُ ذَلِكَ، وَالْحَدُّ فِي كِلَا الْمَوْضِعَيْنِ نِصْفُ حَدِّ الْحُرَّةِ. وَهَذَا أَيْضًا بَعِيدٌ؛ لِأَنَّهُ [18] لَيْسَ فِي لَفْظِ الْآيَةِ مَا يدل عليه.

[1] زيادة من أ.
[2] في جـ، أ: "كما قد علمتم" وفي ر: "كما علمتم".
[3] في أ: "سواء".
[4] في ر: "وذلك أن نقول".
[5] في جـ، أ: "المحصنات من العذاب أي".
[6] في جـ، ر، أ: "ينتصف".
[7] في جـ، ر: "تنصفه" وفي أ: "بنصفه".
[8] زيادة من أ.
[9] في جـ، ر، أ: "صبية".
[10] زيادة من جـ، أ.
[11] في ر: "فرفعها".
[12] في جـ، ر: "فيها".
[13] المسند (1/104) .
[14] في جـ، أ: "من جلد".
[15] في أ: "في الحالين بالنسبة نقل".
[16] في ر: "ذكر".
[17] في جـ، ر: "بنصف".
[18] في ر: "لأن".
اسم الکتاب : تفسير ابن كثير - ت سلامة المؤلف : ابن كثير    الجزء : 2  صفحة : 265
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست