responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير ابن كثير - ت سلامة المؤلف : ابن كثير    الجزء : 2  صفحة : 258
وَهَكَذَا رَوَاهُ سَعِيدُ بْنُ أَبِي عَرُوبة، عَنْ قَتَادَةَ، عَنِ الْحَسَنِ فِي قَوْلِهِ: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} قَالَ: إِذَا كَانَ لَهَا زَوْجٌ فَبَيْعُهَا طَلَاقُهَا.
وَقَالَ عَوْفٌ، عَنِ الْحَسَنِ: بَيْعُ الْأَمَةِ طَلَاقُهَا وبيعُه طلاقُها.
فَهَذَا قَوْلُ هَؤُلَاءِ مِنَ السَّلَفِ [رَحِمَهُمُ اللَّهُ] [1] وَقَدْ خَالَفَهُمُ الْجُمْهُورُ قَدِيمًا وَحَدِيثًا، فَرَأَوْا أَنَّ بَيْعَ الْأَمَةِ لَيْسَ طَلَاقُهَا [2] ؛ لِأَنَّ الْمُشْتَرِيَ نَائِبٌ عَنِ الْبَائِعِ، وَالْبَائِعَ كَانَ قَدْ أَخْرَجَ عَنْ مِلْكِهِ هَذِهِ الْمَنْفَعَةَ وَبَاعَهَا مَسْلُوبَةً عَنْهَا، وَاعْتَمَدُوا فِي ذَلِكَ عَلَى حَدِيثِ بَرِيرَةَ الْمُخَرَّجِ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا؛ فَإِنَّ عَائِشَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ اشْتَرَتْهَا وَنَجَّزَتْ عِتْقَهَا، وَلَمْ يَنْفَسِخْ نِكَاحُهَا مِنْ زَوْجِهَا مُغِيثٍ، بَلْ خَيَّرَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ الْفَسْخِ وَالْبَقَاءِ، فَاخْتَارَتِ الْفَسْخَ، وَقِصَّتُهَا مَشْهُورَةٌ، فَلَوْ كَانَ بَيْعُ الْأَمَةِ طَلَاقُهَا -كَمَا قَالَ [3] هَؤُلَاءِ لَمَا خَيَّرَهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا خَيَّرَهَا دَلَّ عَلَى بَقَاءِ النِّكَاحِ، وَأَنَّ الْمُرَادَ مِنَ الْآيَةِ الْمَسْبِيَّاتُ فَقَطْ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَدْ قِيلَ: الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ} يَعْنِي: الْعَفَائِفَ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ حَتَّى تَمْلِكُوا عِصْمَتَهُنَّ بِنِكَاحٍ وَشُهُودٍ وَمُهُورٍ وَوَلِيٍّ وَاحِدَةً أَوِ اثْنَتَيْنِ [4] أَوْ ثَلَاثًا أَوْ أَرْبَعًا. حَكَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ وَطَاوُسٍ وَغَيْرُهُمَا. وَقَالَ عُمَر وَعُبَيْدَةُ: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ} مَا عَدَا الْأَرْبَعِ حَرَامٌ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ.
وَقَوْلُهُ: {كِتَابَ اللهِ عَلَيْكُمْ} أَيْ: هَذَا التَّحْرِيمُ كِتَابٌ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكُمْ، فَالْزَمُوا كِتَابَهُ، وَلَا تَخْرُجُوا عَنْ حُدُودِهِ، وَالْزَمُوا شَرْعَهُ وَمَا فَرَضَهُ.
وَقَدْ قَالَ عُبَيْدَةُ وَعَطَاءٌ وَالسُّدِّيُّ فِي قَوْلِهِ: {كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُم} يَعْنِي الْأَرْبَعَ. وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ: {كِتَابَ اللهِ عَلَيْكُمْ} يَعْنِي: مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ.
وَقَوْلُهُ: {وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} أي: ما عدا من ذكرن مِنَ الْمَحَارِمِ هُنَّ لَكُمْ حَلَالٌ، قَالَهُ عَطَاءٌ وَغَيْرُهُ. وَقَالَ عُبَيْدَةُ وَالسُّدِّيُّ: {وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} مَا دُونَ الْأَرْبَعِ، وَهَذَا بَعِيدٌ، وَالصَّحِيحُ قَوْلُ عَطَاءٍ كَمَا تَقَدَّمَ. وَقَالَ قَتَادَةُ {وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} يَعْنِي: مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ.
وَهَذِهِ الْآيَةُ هِيَ [5] الَّتِي احْتَجَّ بِهَا مَنِ احْتَجَّ عَلَى تَحْلِيلِ الْجَمْعِ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ، وَقَوْلِ مَنْ قَالَ: أَحَلَّتْهُمَا آيَةٌ وَحَرَّمَتْهُمَا آيَةٌ [6] .
وَقَوْلُهُ: {أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ} أَيْ: تَحَصَّلُوا بِأَمْوَالِكُمْ مِنَ الزَّوْجَاتِ إِلَى أَرْبَعٍ أَوِ السَّرَارِي مَا شِئْتُمْ بِالطَّرِيقِ الشَّرْعِيِّ؛ وَلِهَذَا قَالَ: {مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ}
وَقَوْلُهُ: {فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً} أَيْ: كَمَا تَسْتَمْتِعُونَ بِهِنَّ فَآتَوْهُنَّ مُهُورَهُنَّ فِي مُقَابَلَةِ ذَلِكَ، كَقَوْلِهِ: {وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ [7] إِلَى بَعْضٍ} [النِّسَاءِ: 21] وَكَقَوْلِهِ {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} وكقوله [النساء:[4]] {وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَن تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئًا} [البقرة: 229]

[1] زيادة من جـ، أ.
[2] في ر، أ: "طلاقا لهما".
[3] في جـ، ر، أ: "قاله".
[4] في أ: "واحد أو اثنين".
[5] في جـ، ر، أ: "هي الآية".
[6] في أ: "أحلتها آية وحرمتها آية".
[7] في أ: "بعضهم".
اسم الکتاب : تفسير ابن كثير - ت سلامة المؤلف : ابن كثير    الجزء : 2  صفحة : 258
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست