responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير ابن كثير - ت سلامة المؤلف : ابن كثير    الجزء : 2  صفحة : 180
وَقَرَأَ عَلَيْهِمُ الْقُرْآنَ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أبَي: أَيُّهَا المَرْء، إِنَّهُ لَا أحْسَنَ مِمَّا تَقُولُ، إِنْ كَانَ حَقًّا فَلَا تؤْذنا بِهِ فِي مَجَالِسِنَا، ارْجِعْ إِلَى رَحْلِكَ، فَمَنْ جَاءَكَ فَاقْصُصْ عَلَيْهِ. فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ: بَلَى [1] يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَاغْشنَا بِهِ فِي مَجَالِسِنَا فَإِنَّا نُحب ذَلِكَ. فاستَب الْمُسْلِمُونَ وَالْمُشْرِكُونَ وَالْيَهُودُ حَتَّى كَادُوا يَتَثَاورون [2] فَلَمْ يَزَلِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُخفضهم حَتَّى سَكَتُوا، ثُمَّ رَكِبَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَابته، فَسَارَ حَتَّى دَخَلَ عَلَى سَعْدِ بْنِ عُبَادة، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "يَا سَعْدُ، أَلَمْ تَسْمَع إِلَى مَا قَالَ أَبُو حُبَاب [3] -يُرِيدُ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُبَيٍّ-قَالَ كَذَا وَكَذَا". فَقَالَ سَعْدٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، اعْفُ عَنْهُ وَاصْفَحْ [4] فوَالله الَّذِي [5] أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ لَقَدْ جَاءَ اللَّهُ [6] بِالْحَقِّ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ، وَلَقَدِ اصْطَلَحَ أَهْلُ هَذِهِ البُحَيْرَة [7] عَلَى أَنْ يُتَوِّجوه وَيُعَصِّبُوه [8] بِالْعِصَابَةِ، فَلَمَّا أَبَى [9] اللَّهُ ذَلِكَ بِالْحَقِّ الَّذِي أَعْطَاكَ اللَّهُ شَرِقَ بِذَلِكَ، فَذَلِكَ الَّذِي فَعَل [10] بِهِ مَا رأيتَ، فَعَفَا عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابُهُ يَعْفُونَ عَنِ الْمُشْرِكِينَ وَأَهْلِ الْكِتَابِ، كَمَا أَمَرَهُمُ اللَّهُ، وَيَصْبِرُونَ عَلَى الْأَذَى، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلَتَسْمَعُنَّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا أَذًى كَثِيرًا [وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأمُورِ] [11] } وَقَالَ تَعَالَى: {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ} الْآيَةَ [الْبَقَرَةِ:109] ، وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَتَأوّل فِي الْعَفْوِ مَا أَمَرَهُ اللَّهُ بِهِ، حَتَّى أذنَ اللَّهُ فِيهِمْ، فَلَمَّا غَزَا رسولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَدْرًا، فَقَتَلَ اللَّهُ بِهِ صَنَادِيدَ كُفَّارِ قُرَيْشٍ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أبَيّ ابْنُ سَلُول وَمَنْ مَعَهُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَعَبَدَةِ الْأَوْثَانِ: هَذَا أَمْرٌ قَدْ تَوَجّه، فبايعُوا الرَّسُولَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْإِسْلَامِ [12] وَأَسْلَمُوا [13] [14] .
فَكَانَ مَنْ قَامَ بِحَقٍّ، أَوْ أَمَرَ بِمَعْرُوفٍ، أَوْ نَهَى عَنْ مُنْكَرٍ، فَلَا بُدَّ أَنْ يؤذَى، فَمَا لَهُ دَوَاءٌ إِلَّا الصَّبْرُ فِي اللَّهِ، وَالِاسْتِعَانَةُ بِاللَّهِ، وَالرُّجُوعُ إِلَى اللَّهِ، عَزَّ وجل.

[1] في أ: "بل".
[2] في و: "يتبارزون".
[3] في أ: "حبان".
[4] في جـ، ر، أ، و: "واصفح عنه".
[5] في جـ، ر، أ، و: "فوالذي".
[6] في و: "لقد خالفتهم".
[7] البحيرة المقصود بها: مدينة رسول الله صلى الله عليه وسلم.
[8] في أ: "فيعصبوه"، وفي و: "فيعصبونه".
[9] في ر، أ،: "أتى".
[10] في أ: "ثقل".
[11] زيادة من جـ، ر، أ، و، وفي هـ: "الآية".
[12] في جـ، أ، و: "على الإسلام فبايعوا".
[13] في ر: "فأسلموا".
[14] صحيح البخاري برقم (4566) ، ورواه مسلم في صحيحه برقم (1798) .
{وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلا فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ (187) لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِمَا أَتَوْا وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفَازَةٍ مِنَ الْعَذَابِ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (188) وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (189) }
هَذَا تَوْبِيخٌ مِنَ اللَّهِ وَتَهْدِيدٌ لِأَهْلِ الْكِتَابِ، الَّذِينَ أخَذ عَلَيْهِمُ الْعَهْدَ عَلَى أَلْسِنَةِ الْأَنْبِيَاءِ أَنْ يُؤْمِنُوا بِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَأَنْ يُنَوِّهُوا بِذِكْرِهِ فِي النَّاسِ لِيَكُونُوا [1] عَلَى أهْبَة مِنْ أَمْرِهِ، فَإِذَا أَرْسَلَهُ اللَّهُ تابعوه،

[1] في و: "فيكونوا".
اسم الکتاب : تفسير ابن كثير - ت سلامة المؤلف : ابن كثير    الجزء : 2  صفحة : 180
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست