responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير ابن كثير - ت سلامة المؤلف : ابن كثير    الجزء : 2  صفحة : 133
وَرَوَى العَوْفيّ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ فِي قَوْلِهِ: {سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ} قَالَ: قَذَفَ اللَّهُ فِي قَلْبِ أَبِي سُفْيَانَ الرُّعْبَ، فَرَجَعَ إِلَى مَكَّةَ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إنَّ أبَا سُفْيَانَ قَدْ أَصَابَ مِنْكُمْ طَرَفا، وَقَدْ رَجَعَ، وقَذَفَ اللَّهُ فِي قَلْبِهِ الرُّعْبِ". رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ.
وَقَوْلُهُ: {وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ} قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَعَدَهُمُ اللَّهُ النَّصْرَ.
وَقَدْ يُسْتَدَلُّ بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ الْمُتَقَدِّمَيْنِ فِي قَوْلِهِ: {إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَنْ يَكْفِيَكُمْ أَنْ يُمِدَّكُمْ رَبُّكُمْ بِثَلاثَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُنزلِينَ. بَلَى إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلافٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُسَوِّمِينَ} أَنَّ ذَلِكَ كَانَ يَوْمَ أُحُدٍ لِأَنَّ عَدُوَّهُمْ كَانَ ثَلَاثَةَ آلَافِ مُقَاتِلٍ، فَلَمَّا وَاجَهُوهُمْ كَانَ الظَّفَرُ وَالنَّصْرُ أَوَّلَ النَّهَارِ لِلْإِسْلَامِ، فَلَمَّا حَصَلَ مَا حَصَلَ مِنْ عِصْيَانِ الرُّماة وَفَشَلِ بَعْضِ الْمُقَاتِلَةِ، تَأَخَّرَ الْوَعْدُ الَّذِي كَانَ مَشْرُوطًا بِالثَّبَاتِ وَالطَّاعَةِ؛ وَلِهَذَا قَالَ: {وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ} أَيْ: أَوَّلَ النَّهَارِ {إِذْ تَحُسُّونَهُمْ} أَيْ: تَقْتُلُونَهُمْ [1] {بِإِذْنِهِ} أَيْ: بِتَسْلِيطِهِ إِيَّاكُمْ عَلَيْهِمْ {حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ} وَقَالَ [2] ابْنُ جُرَيْجٍ: قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: الْفَشَلُ الْجُبْنُ، {وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأمْرِ وَعَصَيْتُمْ} كَمَا وَقَعَ لِلرُّمَاةِ {مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ} وَهُوَ الظَّفَرُ مِنْهُمْ [3] {مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا} وَهْمُ الَّذِينَ رَغِبُوا فِي الْمَغْنَمِ حِينَ رَأَوُا الْهَزِيمَةَ {وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الآخِرَةَ ثُمَّ صَرَفَكُمْ عَنْهُمْ لِيَبْتَلِيَكُمْ} ثُمَّ أَدَالَهُمْ عَلَيْكُمْ لِيَخْتَبِرَكُمْ وَيَمْتَحِنَكُمْ {وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ} أَيْ: غَفَرَ لَكُمْ ذَلِكَ الصَّنِيع، وَذَلِكَ -وَاللَّهُ أَعْلَمُ-لِكَثْرَةِ عَدد الْعَدُوِّ وعُدَدهم، وَقِلَّةِ عَدد الْمُسْلِمِينَ وعُدَدهم.
قَالَ ابْنُ جُرَيْجٍ: قَوْلُهُ: {وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ} قَالَ: لَمْ يَسْتَأْصِلْكُمْ. وَكَذَا قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، رَوَاهُمَا ابْنُ جَرِيرٍ {وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} .
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ أخبرنا عبد الرحمن ابن أَبِي الزِّنَادِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ عُبَيد اللَّهِ [4] عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ: مَا نَصَرَ اللَّهُ فِي مَوْطِن كَمَا نَصَرَهُ يَوْمَ أُحُدٍ. قَالَ: فَأَنْكَرْنَا ذَلِكَ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: بَيْنِي وَبَيْنَ مَنْ أَنْكَرَ ذَلِكَ كتابُ اللَّهِ، إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ فِي يَوْمِ أُحُدٍ: {وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللَّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ} يَقُولُ ابْنُ عَبَّاسٍ: والحَسُّ: الْقَتْلُ [5] {حَتَّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الأمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُرِيدُ الآخِرَةَ} الْآيَةَ [6] وَإِنَّمَا عَنَى بِهَذَا الرُّمَاةَ، وَذَلِكَ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقَامَهُمْ فِي مَوْضِعٍ، ثُمَّ قَالَ: "احْمُوا ظُهُورَنَا، فَإنْ رَأيْتُمُونَا نُقْتَلُ فَلا تَنْصُرُونَا وَإنْ رَأَيْتُمُونَا قَدْ غَنِمْنَا فَلا تُشْرِكُونَا. فَلَمَّا غَنِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأباحُوا عَسْكَرَ الْمُشْرِكِينَ أَكَبَّتِ الرُّماة جَمِيعًا [وَدَخَلُوا] [7] فِي الْعَسْكَرِ يَنْهَبُونَ، وَلَقَدِ الْتَقَتْ صُفُوفُ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَهُم هَكَذَا -وَشَبَّكَ بَيْنَ يَدَيْهِ-وَانْتَشَبُوا، فَلَمَّا أَخَلَّ الرُّمَاةُ تِلْكَ الْخَلَّةِ الَّتِي كَانُوا فِيهَا، دَخَلَتِ الْخَيْلُ مِنْ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ عَلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَضَرَبَ [8] بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَالْتَبُسُوا، وقُتل من المسلمين ناس

[1] في ر: "يقتلونكم".
[2] في أ، و: "قال".
[3] في و: "بهم".
[4] في هـ ر: "أبي عبيد الله"، والصواب ما أثبتناه من المسند.
[5] في ر: "والحس الفشل".
[6] في جـ، ر، أ، و: (حتى إذا فشلتم -إلى قوله- وَلَقَدْ عَفَا عَنْكُمْ وَاللَّهُ ذُو فَضْلٍ عَلَى المؤمنين) .
[7] زيادة من جـ، ر، أ، والمسند.
[8] في و: "يضرب".
اسم الکتاب : تفسير ابن كثير - ت سلامة المؤلف : ابن كثير    الجزء : 2  صفحة : 133
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست