responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير ابن كثير - ت سلامة المؤلف : ابن كثير    الجزء : 2  صفحة : 130
وَقَوْلُهُ: {وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا} أَيْ: مَنْ كَانَ عَمَلُهُ لِلدُّنْيَا فَقَدْ نَالَ مِنْهَا مَا قدّرَه اللَّهُ لَهُ، وَلَمْ يَكُنْ لَهُ فِي الْآخِرَةِ [مِنْ] [1] نَصِيبٍ، وَمَنْ قَصَدَ بِعَمَلِهِ الدَّارَ الْآخِرَةَ أَعْطَاهُ اللَّهُ مِنْهَا مَعَ مَا قَسَّمَ لَهُ فِي الدُّنْيَا كَمَا قَالَ: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الآخِرَةِ نزدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَنْ كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ} [الشُّورَى:20] وَقَالَ تَعَالَى: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا} [الْإِسْرَاءِ: 18، 19] وَهَكَذَا قَالَ هَاهُنَا: {وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ} أَيْ: سَنُعْطِيهِمْ مِنْ فَضْلِنَا وَرَحْمَتِنَا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ بِحَسْبِ شُكْرهم وَعَمَلِهِمْ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى -مُسَلِّيًا لِلْمُسْلِمِينَ [2] عَمَّا كَانَ وَقَعَ فِي نُفُوسِهِمْ يَوْمَ أُحُد-: {وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ} قِيلَ: مَعْنَاهُ: كَمْ مِنْ نَبِيٍّ قُتِل وَقُتِلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ مِنْ أَصْحَابِهِ كَثِيرٌ. وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ اخْتِيَارُ ابْنِ جَرِيرٍ، فَإِنَّهُ قَالَ: وَأَمَّا الَّذِينَ قرؤوا: {قُتِلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ} فَإِنَّهُمْ قَالُوا: إِنَّمَا عَنَى بِالْقَتْلِ النَّبِيَّ وَبَعْضَ مِنْ مَعَهُ مِنَ الرِّبِّيِّينَ دُونَ جَمِيعِهِمْ، وَإِنَّمَا نَفَى الْوَهَنَ وَالضَّعْفَ عَمَّنْ بَقِيَ مِنَ الرِّبِّيِّينَ مِمَّنْ لَمْ يُقْتَلْ.
قَالَ: وَمَنْ قَرَأَ {قَاتَلَ} فَإِنَّهُ اخْتَارَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ قَالَ: لَوْ قُتِلُوا [3] لَمْ يَكُنْ لِقَوْلِهِ: {فَمَا وَهَنُوا} وَجْهٌ مَعْرُوفٌ؛ لِأَنَّهُمْ يَسْتَحِيلُ أَنْ يُوصَفوا بِأَنَّهُمْ لَمْ يَهِنُوا وَلَمْ يَضْعُفُوا بَعْدَ مَا قُتِلُوا.
ثُمَّ اخْتَارَ قِرَاءَةَ مَنْ قَرَأَ {قُتِلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ} ؛ لِأَنَّ اللَّهَ [تَعَالَى] [4] عَاتَبَ بِهَذِهِ الْآيَاتِ وَالَّتِي [5] قَبْلَهَا مَنِ انْهَزَمَ يَوْمَ أُحُدٍ، وَتَرَكُوا الْقِتَالَ أَوْ سَمِعُوا الصَّائِحَ يَصِيحُ: "إِنَّ [6] مُحَمَّدًا قَدْ قُتِلَ". فَعَذَلَهُمُ اللَّهُ عَلَى فِرَارِهِمْ وترْكِهم الْقِتَالَ فَقَالَ لَهُمْ: {أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ} أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ ارْتَدَدْتُمْ عَنْ دِينِكُمْ وَانْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ؟.
وَقِيلَ: وَكَمْ مِنْ نَبِيٍّ قُتِلَ بَيْنَ يَدَيْهِ مِنْ أَصْحَابِهِ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ [7] .
وَكَلَامُ ابْنِ إِسْحَاقَ فِي السِّيرَةِ يَقْتَضِي قَوْلًا آخَرَ، [فَإِنَّهُ] [8] قَالَ: أَيْ وَكَأَيْنٍ مِنْ نَبِيٍّ أَصَابَهُ الْقَتْلُ، وَمَعَهُ رِبِّيُّونَ، أَيْ: جَمَاعَاتٌ فَمَا وَهَنُوا بَعْدَ نَبِيِّهِمْ، وَمَا ضَعُفُوا عَنْ عَدُوِّهِمْ، وَمَا اسْتَكَانُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي الْجِهَادِ عَنِ اللَّهِ وَعَنْ دِينِهِمْ، وَذَلِكَ الصَّبْرُ، {وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ} .
فَجَعَلَ قَوْلَهُ: {مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ} حَالًا وَقَدْ نَصَرَ هَذَا الْقَوْلَ السُّهَيْلِيُّ وَبَالَغَ فِيهِ، وَلَهُ اتِّجَاهٌ لِقَوْلِهِ: {فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ} الْآيَةَ، وَكَذَلِكَ حَكَاهُ الْأُمَوِيُّ فِي مَغَازِيهِ، عَنْ كِتَابِ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، وَلَمْ يَقُلْ [9] غَيْرُهُ.
وَقَرَأَ بَعْضُهُمْ: {قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ} قَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ زِرٍّ، عن ابن

[1] زيادة من أ.
[2] في جـ، ر، أ، و: "للمؤمنين".
[3] في جـ: "لأنه لو قتلوا"، وفي ر: "فإنه قال لو قتلوا".
[4] زيادة من و.
[5] في و: "الذي".
[6] في ر: "بأن".
[7] في و: "وقيل: وكم من نبي قتل معه ربيون كثير".
[8] زيادة من جـ.
[9] في جـ، أ، و: "ولم يحك".
اسم الکتاب : تفسير ابن كثير - ت سلامة المؤلف : ابن كثير    الجزء : 2  صفحة : 130
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست