responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير ابن كثير - ت سلامة المؤلف : ابن كثير    الجزء : 2  صفحة : 117
{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ (130) وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ (131) وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (132) }

{وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ (133) الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134) وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ (135) أُولَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (136) }
يَقُولُ تَعَالَى نَاهِيًا عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ عَنْ تَعَاطِي الرِّبَا وَأَكْلِهِ أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً، كَمَا كَانُوا يَقُولُونَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ -إِذَا حَلّ أَجَلُ الدَّيْنِ: إِمَّا أَنْ يَقْضِي وَإِمَّا أَنْ يُرْبِي، فَإِنْ قَضَاهُ وَإِلَّا زَادَهُ فِي الْمُدَّةِ وَزَادَهُ الآخَر فِي القَدْر، وَهَكَذَا كُلُّ عَامٍ، فَرُبَّمَا [1] تَضَاعَفَ الْقَلِيلُ حَتَّى يَصِيرَ كَثِيرًا مُضَاعَفًا.
وَأَمَرَ تَعَالَى عِبَادَهُ بِالتَّقْوَى لَعَلَّهُمْ يُفْلِحُونَ فِي الْأُولَى وَالْأُخْرَى [2] ثُمَّ تَوَعَّدَهُمْ بِالنَّارِ وَحَذَّرَهُمْ مِنْهَا، فَقَالَ: {وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ. وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} .
ثُمَّ نَدَبهم إِلَى الْمُبَادَرَةِ إِلَى فعْل الْخَيْرَاتِ وَالْمُسَارِعَةِ إِلَى نَيْل القُرُبات، فَقَالَ: {وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ} أَيْ: كَمَا أُعِدَّتِ النَّارُ لِلْكَافِرِينَ. وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ: {عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأرْضُ} تَنْبِيهًا [3] عَلَى اتِّسَاعِ طُولِهَا، كَمَا قَالَ فِي صِفَةِ فَرْشِ الْجَنَّةِ: {بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ} [الرَّحْمَنِ:54] أَيْ: فَمَا ظَنُّكَ بِالظَّهَائِرِ؟ وَقِيلَ: بَلْ عَرْضُهَا كَطُولِهَا؛ لِأَنَّهَا قُبَّةٌ تَحْتَ الْعَرْشِ، وَالشَّيْءُ المُقَبَّب وَالْمُسْتَدِيرُ عَرْضُه كَطُولِهِ. وَقَدْ دَلَّ عَلَى ذَلِكَ مَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ: "إِذَا سَأَلْتُمُ اللَّهَ الْجَنَّةَ فَاسْأَلُوهُ الْفِرْدَوْسَ، فَإِنَّهُ أَعْلَى الْجَنَّةِ وَأَوْسَطُ الْجَنَّةِ وَمِنْهُ تَفَجَّرُ أَنْهَارُ الْجَنَّةِ، وَسَقْفُهَا عَرْشُ الرَّحْمَنِ" [4] .
وَهَذِهِ الْآيَةُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْحَدِيدِ: {سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالأرْضِ} الْآيَةَ [رَقْمُ21] .
وَقَدْ رُوِّينَا فِي مُسْنَدِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ: أَنَّ هِرَقْل كَتَبَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: إِنَّكَ دَعَوْتني إِلَى جَنَّةٍ عَرْضُها السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ، فَأَيْنَ النَّارُ؟ فَقَالَ النَّبِيُّ [5] صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "سُبْحَانَ اللهِ! فَأَيْنَ [6] اللَّيْلُ إذَا جَاءَ النَّهَارُ؟ " [7] .
وَقَدْ رَوَاهُ ابنُ جَرِيرٍ فَقَالَ: حَدَّثَنِي يُونُسُ، أَنْبَأَنَا ابنُ وَهْب، أَخْبَرَنِي مُسْلِمُ بْنُ خَالِدٍ، عَنِ أبي

[1] في ر: "وربما".
[2] في أ: "الآخرة".
[3] في ر: "تنبيه".
[4] صحيح البخاري برقم (2790) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
[5] في جـ، ر: "رسول الله".
[6] في و: "أين".
[7] المسند (3/442) من حديث التنوخي. وقال الحافظ ابن كثير في البداية والنهاية (5/15) : "هذا حديث غريب تَفَرَّدَ بِهِ أَحْمَدُ وَإِسْنَادُهُ لَا بَأْسَ بِهِ".
اسم الکتاب : تفسير ابن كثير - ت سلامة المؤلف : ابن كثير    الجزء : 2  صفحة : 117
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست