responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير ابن كثير - ت سلامة المؤلف : ابن كثير    الجزء : 2  صفحة : 108
نَهَى أَنْ يَنْقُشَ أَحَدٌ عَلَى نَقْشِهِ. وَأَمَّا الِاسْتِضَاءَةُ بِنَارِ الْمُشْرِكِينَ، فَمَعْنَاهُ: لَا تُقَارِبُوهُمْ فِي الْمَنَازِلِ بِحَيْثُ تَكُونُونَ [1] مَعَهُمْ فِي بِلَادِهِمْ، بَلْ تَبَاعَدُوا مِنْهُمْ وهَاجروا مِنْ بِلَادِهِمْ؛ وَلِهَذَا رَوَى أَبُو دَاوُدَ [رَحِمَهُ اللَّهُ] [2] لَا تَتَرَاءَى نَاراهُمَا" وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ: "مَنْ جَامَعَ الْمُشْرِكَ أَوْ سَكَنَ مَعَهُ، فَهُوَ مِثْلُهُ"؛ فحَمْلُ الْحَدِيثِ عَلَى مَا قَالَهُ الْحَسَنُ، رَحِمَهُ اللَّهُ، وَالِاسْتِشْهَادُ عَلَيْهِ بِالْآيَةِ فِيهِ نَظَرٌ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
ثُمَّ قَالَ تَعَالَى: {قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ} أَيْ: قَدْ لَاحَ عَلَى صَفَحات وُجُوهِهِمْ، وَفَلَتَاتِ أَلْسِنَتِهِمْ مِنَ الْعَدَاوَةِ، مَعَ مَا هُمْ مُشْتَمِلُونَ عَلَيْهِ فِي صُدُورِهِمْ مِنَ الْبَغْضَاءِ لِلْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ، مَا لَا يَخْفَى مِثْلُهُ عَلَى لَبِيبٍ عَاقِلٍ؛ وَلِهَذَا قَالَ: {قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْقِلُونَ} .
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {هَا أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ} أَيْ: أَنْتُمْ -أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ-تُحِبُّونَ الْمُنَافِقِينَ مِمَّا يُظْهِرُونَ لَكُمْ مِنَ الْإِيمَانِ، فَتُحِبُّونَهُمْ عَلَى ذَلِكَ وَهُمْ لَا يُحِبُّونَكُمْ، لَا بَاطِنًا وَلَا ظَاهِرًا [3] {وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ} أَيْ: لَيْسَ عِنْدَكُمْ فِي شَيْءٍ مِنْهُ شَكٌّ وَلَا رَيْب، وَهُمْ عِنْدَهُمُ الشَّكُّ والرِّيَب والحِيرة.
وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي مُحَمَّدٍ، عَنْ عِكْرِمة أَوْ سَعِيدِ بْنِ جبير، عن ابْنِ عَبَّاسٍ: {وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ} أَيْ: بِكِتَابِكُمْ وَكِتَابِهِمْ، وَبِمَا مَضَى مِنَ الْكُتُبِ قَبْلَ ذَلِكَ، وَهُمْ يَكْفُرُونَ بِكِتَابِكُمْ، فَأَنْتُمْ أَحَقُّ بِالْبَغْضَاءِ لَهُمْ، مِنْهُمْ لَكُمْ. رَوَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ.
{وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الأنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ} وَالْأَنَامِلُ: أَطْرَافُ الْأَصَابِعِ، قَالَهُ قَتَادَةُ.
وَقَالَ الشَّاعِرُ:
أوَدُّ [4] كَمَا مَا بَلّ حَلْقِيَ ريقَتى ... وَمَا حَمَلَتْ كَفَّايَ أنْمُلي العَشْرا (5)
وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ، والسُّدِّي، والرَّبِيع بْنُ أَنَسٍ: {الأنَامِلَ} الْأَصَابِعُ.
وَهَذَا شَأْنُ الْمُنَافِقِينَ يُظْهِرون لِلْمُؤْمِنِينَ الإيمانَ وَالْمَوَدَّةَ، وَهُمْ فِي الْبَاطِنِ بِخِلَافِ ذَلِكَ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الأنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ} وَذَلِكَ أَشَدُّ الْغَيْظِ وَالْحَنَقِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} أَيْ: مَهْمَا كُنْتُمْ تَحْسُدُونَ عَلَيْهِ الْمُؤْمِنِينَ وَيَغِيظُكُمْ ذَلِكَ مِنْهُمْ، فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مُتمّ نِعْمَتَهُ عَلَى عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ ومُكَملٌ دِينَهُ، ومُعْلٍ كلمتَه وَمُظْهِرٌ دينَه، فَمُوتُوا أَنْتُمْ بِغَيْظِكُمْ {إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} أَيْ: هُوَ عَلِيمٌ بِمَا تَنْطَوِي عَلَيْهِ ضَمَائِرُكُمْ، وتُكنُّه سَرَائرُكُم مِنَ الْبَغْضَاءِ وَالْحَسَدِ وَالْغِلِّ لِلْمُؤْمِنِينَ، وَهُوَ مُجَازِيكُمْ عَلَيْهِ فِي الدُّنْيَا بِأَنْ يُرِيَكُمْ خِلَافَ مَا تُؤَمِّلُونَ، وَفِي الْآخِرَةِ بِالْعَذَابِ الشَّدِيدِ فِي النَّارِ الَّتِي أَنْتُمْ خَالِدُونَ فِيهَا، فَلَا خُرُوجَ لَكُمْ مِنْهَا.
ثُمَّ قَالَ: {إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَإِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِهَا} وَهَذِهِ الْحَالُ دَالَّةٌ [6] عَلَى شِدَّةِ

[1] في أ، و: "تكونوا".
[2] زيادة من أ.
[3] في جـ، ر، أ، و: "لا ظاهرا ولا باطنا".
[4] في أ: "أريد".
(5) البيت في تفسير الطبري (4/43) .
[6] في جـ، ر، أ، و: "وهذا الحال دال".
اسم الکتاب : تفسير ابن كثير - ت سلامة المؤلف : ابن كثير    الجزء : 2  صفحة : 108
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست