responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير ابن كثير - ت سلامة المؤلف : ابن كثير    الجزء : 1  صفحة : 609
أَقْرَائِكِ". فَهَذَا لَوْ صَحَّ لَكَانَ صَرِيحًا فِي أَنَّ الْقُرْءَ هُوَ الْحَيْضُ، وَلَكِنَّ الْمُنْذِرَ هَذَا قَالَ فِيهِ أَبُو حَاتِمٍ: مَجْهُولٌ لَيْسَ بِمَشْهُورٍ. وَذَكَرَهُ ابْنُ حِبَّانَ فِي الثِّقَاتِ.
وَقَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: أصلُ الْقُرْءِ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ: "الْوَقْتُ لِمَجِيءِ الشَّيْءِ الْمُعْتَادِ مَجِيئُهُ فِي وَقْتٍ مَعْلُومٍ، وَلِإِدْبَارِ الشَّيْءِ الْمُعْتَادِ إِدْبَارُهُ لِوَقْتٍ مَعْلُومٍ". وَهَذِهِ الْعِبَارَةُ تَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ مُشْتَرِكًا بَيْنَ هَذَا وَهَذَا، وَقَدْ ذَهَبَ إِلَيْهِ بَعْضُ [الْعُلَمَاءِ] الْأُصُولِيِّينَ فَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَهَذَا قَوْلُ الْأَصْمَعِيِّ: أَنَّ الْقُرْءَ هُوَ الْوَقْتُ. وَقَالَ أَبُو عَمْرِو بْنُ الْعَلَاءِ: الْعَرَبُ تُسَمِّي الْحَيْضَ: قُرْءًا، وَتُسَمِّي الطُّهْرَ: قُرْءًا، وَتُسَمِّي الْحَيْضَ مَعَ الطُّهْرِ جَمِيعًا: قُرْءًا. وَقَالَ الشَّيْخُ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: لَا يَخْتَلِفُ أَهْلُ الْعِلْمِ بِلِسَانِ الْعَرَبِ وَالْفُقَهَاءِ أَنَّ الْقُرْءَ يُرَادُ بِهِ الْحَيْضَ وَيُرَادُ بِهِ الطُّهْرَ، وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا فِي الْمُرَادِ مِنَ الْآيَةِ مَا هُوَ عَلَى قَوْلَيْنِ.
وَقَوْلُهُ: {وَلا يَحِلُّ لَهُنَّ أَنْ يَكْتُمْنَ مَا خَلَقَ اللَّهُ فِي أَرْحَامِهِنَّ} أَيْ: مِنْ حَبَل أَوْ حَيْضٍ. قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَابْنُ عُمَر، وَمُجَاهِدٌ، وَالشَّعْبِيُّ، وَالْحَكَمُ بْنُ عُيَيْنَةَ وَالرَّبِيعُ بْنُ أَنَسٍ، وَالضَّحَّاكُ، وَغَيْرُ وَاحِدٍ.
وَقَوْلُهُ: {إِنْ كُنَّ يُؤْمِنَّ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ} تَهْدِيدٌ لَهُنَّ عَلَى قَوْلِ خِلَافِ الْحَقِّ. وَدَلَّ هَذَا عَلَى أَنَّ الْمَرْجِعَ فِي هَذَا إِلَيْهِنَّ؛ لِأَنَّهُ أَمْرٌ لَا يُعْلَمُ إِلَّا مِنْ جِهَتَيْنِ، وَتَتَعَذَّرُ إِقَامَةُ الْبَيِّنَةِ غَالِبًا عَلَى ذَلِكَ، فَرَدَّ الْأَمْرَ إِلَيْهِنَّ، وتُوُعِّدْنَ فِيهِ، لِئَلَّا تُخْبِرَ بِغَيْرِ الْحَقِّ إِمَّا اسْتِعْجَالًا مِنْهَا لِانْقِضَاءِ الْعِدَّةِ، أَوْ رَغْبَةً مِنْهَا فِي تَطْوِيلِهَا، لِمَا لَهَا فِي ذَلِكَ مِنَ الْمَقَاصِدِ. فَأُمِرَتْ أَنْ تُخْبِرَ بِالْحَقِّ فِي ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ وَلَا نُقْصَانٍ.
وَقَوْلُهُ: {وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذَلِكَ إِنْ أَرَادُوا إِصْلاحًا} أَيْ: وَزَوْجُهَا الَّذِي طَلَّقَهَا أَحَقُّ بِرِدَّتِهَا مَا دَامَتْ فِي عِدَّتِهَا، إِذَا كَانَ مُرَادُهُ بِرِدَّتِهَا الْإِصْلَاحَ وَالْخَيْرَ. وَهَذَا فِي الرَّجْعِيَّاتِ. فَأَمَّا الْمُطَلَّقَاتُ الْبَوَائِنُ فَلَمْ يكنْ حالَ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ مُطَلَّقَةٌ بَائِنٌ، وَإِنَّمَا صَارَ ذَلِكَ لَمَّا حُصروا فِي الطَّلَقَاتِ الثَّلَاثِ، فَأَمَّا حَالُ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ فَكَانَ الرَّجُلُ أَحَقَّ بِرَجْعَةِ امْرَأَتِهِ وَإِنْ طَلَّقَهَا مِائَةَ مَرَّةٍ، فَلَمَّا قُصِرُوا فِي الْآيَةِ الَّتِي بَعْدَهَا عَلَى ثَلَاثِ تَطْلِيقَاتٍ صَارَ لِلنَّاسِ مُطَلَّقَةٌ بَائِنٌ وَغَيْرُ بَائِنٍ. وَإِذَا تَأَمَّلْتَ هَذَا تَبَيَّنَ لَكَ ضَعْفُ مَا سَلَكَهُ بَعْضُ الْأُصُولِيِّينَ، مِنَ اسْتِشْهَادِهِمْ عَلَى مَسْأَلَةِ عَوْدِ الضَّمِيرِ -هَلْ يَكُونُ مُخَصَّصًا لِمَا تَقَدَّمَهُ مَنْ لَفْظِ الْعُمُومِ أَمْ لَا؟ - بِهَذِهِ الْآيَةِ الْكَرِيمَةِ، فَإِنَّ التَّمْثِيلَ بِهَا غَيْرُ مُطَابِقٍ لِمَا ذَكَرُوهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَوْلُهُ: {وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ} أَيْ: وَلَهُنَّ عَلَى الرِّجَالِ مِنَ الْحَقِّ مِثْلُ مَا لِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ، فلْيؤد كُلٌّ وَاحِدٌ مِنْهُمَا إِلَى الْآخَرِ مَا يَجِبُ عَلَيْهِ بِالْمَعْرُوفِ، كَمَا ثَبَتَ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ، عَنْ جَابِرٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى الله عليه وسلم قَالَ فِي خُطْبَتِهِ، فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ: "فَاتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ، فَإِنَّكُمْ أخذتموهُنّ بِأَمَانَةِ اللَّهِ، وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ، وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَلَّا يُوطِئْنَ فُرُشَكم أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ، فَإِنْ فَعَلْنَ ذَلِكَ فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّح، وَلَهُنَّ رِزْقُهُنَّ وَكِسَوْتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ". وَفِي حَدِيثِ بِهَزِ بْنِ حَكِيمٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ حَيْدَة القُشَيري، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، أَنَّهُ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا حَقُّ زَوْجَةِ أَحَدِنَا؟

اسم الکتاب : تفسير ابن كثير - ت سلامة المؤلف : ابن كثير    الجزء : 1  صفحة : 609
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست