responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير ابن كثير - ت سلامة المؤلف : ابن كثير    الجزء : 1  صفحة : 519
وِصَالِ آلِ مُحَمَّدٍ، مِنَ السَّحَر إِلَى السَّحَر" [1] .
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ، عَنْ عَبْدِ الْأَعْلَى، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ عَلِيٍّ: أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُوَاصِلُ مِنَ السَّحَر إِلَى السَّحَر [2] .
وَقَدْ رَوَى ابْنُ جَرِيرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ وَغَيْرِهِ مِنَ السَّلَفِ، أَنَّهُمْ كَانُوا يُوَاصِلُونَ الْأَيَّامَ الْمُتَعَدِّدَةَ [وَقَدْ رَوَى ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ وَغَيْرِهِ مِنَ السَّلَفِ] [3] وَحَمَلَهُ مِنْهُمْ عَلَى أَنَّهُمْ كانُوا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ رِيَاضَةً لِأَنْفُسِهِمْ، لَا أَنَّهُمْ كَانُوا يَفْعَلُونَهُ عِبَادَةً. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُمْ كَانُوا يَفْهَمُونَ مِنَ النَّهْيِ أَنَّهُ إرْشَاد، [أَيْ] [4] مِنْ بَابِ الشَّفَقَةِ، كَمَا جَاءَ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ: "رَحْمَةً لَهُمْ"، فَكَانَ ابْنُ الزُّبَيْرِ وابنُه عَامِرٌ وَمَنْ سَلَكَ سَبِيلَهُمْ يَتَجَشَّمُونَ ذَلِكَ وَيَفْعَلُونَهُ، لِأَنَّهُمْ كَانُوا يَجِدُونَ قُوة عَلَيْهِ. وَقَدْ ذُكرَ عَنْهُمْ أَنَّهُمْ كَانُوا أَوَّلَ مَا يُفْطِرُونَ عَلَى السَّمْنِ والصَّبِر لِئَلَّا تَتَخَرَّقَ الْأَمْعَاءُ بِالطَّعَامِ أَوَّلًا. وَقَدْ رُوي عَنِ ابْنِ الزُّبَيْرِ أنَّه كَانَ يُوَاصِلُ سَبْعَةَ أَيَّامٍ وَيُصْبِحُ فِي الْيَوْمِ السَّابِعِ أَقْوَاهُمْ وَأَجْلَدُهُمْ. وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ: إِنَّمَا فَرَضَ اللَّهُ الصِّيَامَ بِالنَّهَارِ فَإِذَا جَاءَ بِالْلَّيْلِ فَمَنْ شَاءَ أَكَلَ وَمَنْ شَاءَ لَمْ يَأْكُلْ.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} قَالَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَلْحَةَ، عَنِ ابْنِ عباس: هَذَا فِي الرَّجُلِ يَعْتَكِفُ فِي الْمَسْجِدِ فِي رَمَضَانَ أَوْ فِي غَيْرِ رَمَضَانَ، فَحَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ أَنْ يَنْكِحَ النِّسَاءَ لَيْلًا وَنَهَارًا [5] حَتَّى يَقْضِيَ اعْتِكَافَهُ.
وَقَالَ الضَّحَّاكُ: كَانَ الرَّجُلُ إِذَا اعْتَكَفَ فَخَرَجَ مِنَ الْمَسْجِدِ، جَامَعَ إِنْ شَاءَ، فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} أَيْ: لَا تَقْرَبُوهُنَّ مَا دُمْتُمْ عَاكِفِينَ فِي الْمَسْجِدِ [6] وَلَا فِي غَيْرِهِ. وَكَذَا قَالَ مُجَاهِدٌ، وَقَتَادَةُ وَغَيْرُ وَاحِدٍ إِنَّهُمْ كَانُوا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ حَتَّى نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ.
قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَمُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ، وَمُجَاهِدٍ، وَعَطَاءٍ، وَالْحَسَنِ، وَقَتَادَةَ، وَالضَّحَّاكِ والسُّدِّي، وَالرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، وَمُقَاتِلٍ، قَالُوا: لَا يَقْرَبُهَا وَهُوَ مُعْتَكِفٌ. وَهَذَا الذِي حَكَاهُ عَنْ هَؤُلَاءِ هُوَ الْأَمْرُ الْمُتَّفَقُ عَلَيْهِ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ: أَنَّ الْمُعْتَكِفَ يحرمُ عَلَيْهِ النساءُ مَا دامَ مُعْتَكِفًا فِي مَسْجِدِهِ، وَلَوْ ذَهَبَ إِلَى مَنْزِلِهِ لِحَاجَةٍ لَا بُدَّ لَهُ مِنْهَا فَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يتلبَّث [7] فِيهِ إِلَّا بِمِقْدَارِ مَا يَفْرَغُ مِنْ حَاجَتِهِ تِلْكَ، مِنْ قَضَاءِ الْغَائِطِ، أَوْ أَكْلٍ، وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُقَبِّلَ امْرَأَتَهُ، وَلَا يَضُمَّهَا إِلَيْهِ، وَلَا يَشْتَغِلَ بِشَيْءٍ سِوَى اعْتِكَافِهِ، وَلَا يَعُودَ الْمَرِيضَ، لَكِنْ يَسْأَلُ عَنْهُ وَهُوَ مَارٌّ فِي طَرِيقِهِ.
وَلِلْاعْتِكَافِ أَحْكَامٌ مُفَصَّلَةٌ فِي بَابِهِ، مِنْهَا مَا هُوَ مَجْمَعٌ عَلَيْهِ بَيْنَ الْعُلَمَاءِ، وَمِنْهَا مَا هُوَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ [8] . وَقَدْ ذَكَرْنَا قِطْعَة صَالِحٍةً مِنْ ذَلِكَ فِي آخِرِ كِتَابِ الصِّيَامِ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ [9] .
وَلِهَذَا كَانَ الْفُقَهَاءُ الْمُصَنِّفُونَ يُتْبِعون كِتَابَ الصِّيَامِ بِكِتَابِ الِاعْتِكَافِ، اقْتِدَاءً بِالْقُرْآنِ الْعَظِيمِ، فَإِنَّهُ نَبَّهَ عَلَى ذِكْرِ الِاعْتِكَافِ بَعْدَ ذِكْرِ الصَّوْمِ. وَفِي ذِكْرِهِ تَعَالَى الِاعْتِكَافَ بَعْدَ الصِّيَامِ إِرْشَادٌ وَتَنْبِيهٌ عَلَى

[1] تفسير الطبري (3/537، 538) .
[2] المسند (1/91، 141) .
[3] زيادة من جـ.
[4] زيادة من جـ.
[5] في جـ، أ: "أو نهارا".
[6] في أ: "في المساجد".
[7] في جـ: "أن يمكث".
[8] في أ: "فيها".
[9] في جـ: "ولله الحمد والمنة".
اسم الکتاب : تفسير ابن كثير - ت سلامة المؤلف : ابن كثير    الجزء : 1  صفحة : 519
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست