responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير ابن كثير - ت سلامة المؤلف : ابن كثير    الجزء : 1  صفحة : 382
مَنْ يَشْتَر الْكُفْرَ بِالْإِيمَانِ {فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ} أَيْ: فَقَدْ خَرَجَ عَنِ [1] الطَّرِيقِ الْمُسْتَقِيمِ إِلَى الْجَهْلِ وَالضَّلَالِ وَهَكَذَا حَالُ الَّذِينَ عَدَلُوا عَنْ تَصْدِيقِ الْأَنْبِيَاءِ وَاتِّبَاعِهِمْ وَالِانْقِيَادِ لَهُمْ، إِلَى مُخَالَفَتِهِمْ وَتَكْذِيبِهِمْ وَالِاقْتِرَاحِ عَلَيْهِمْ بِالْأَسْئِلَةِ التِي لَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهَا، عَلَى وَجْهِ التَّعَنُّتِ وَالْكُفْرِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَةَ اللَّهِ كُفْرًا وَأَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دَارَ الْبَوَارِ* جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَهَا وَبِئْسَ الْقَرَارُ} [إِبْرَاهِيمَ: 28، 29] .
وَقَالَ أَبُو الْعَالِيَةِ: يَتَبَدَّلُ الشِّدَّةَ بِالرَّخَاءِ.
{وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللَّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (109) وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَمَا تُقَدِّمُوا لأنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (110) }
يُحَذِّرُ تَعَالَى [2] عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ عَنْ سُلُوكِ طَرَائق الْكُفَّارِ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَيُعْلِمُهُمْ بِعَدَاوَتِهِمْ لَهُمْ فِي الْبَاطِنِ وَالظَّاهِرِ وَمَا هُمْ مُشْتَمِلُونَ عَلَيْهِ مِنَ الْحَسَدِ لِلْمُؤْمِنِينَ، مَعَ عِلْمِهِمْ بِفَضْلِهِمْ وَفَضْلِ نَبِيِّهِمْ. وَيَأْمُرُ عِبَادَهُ الْمُؤْمِنِينَ بِالصَّفْحِ وَالْعَفْوِ وَالِاحْتِمَالِ، حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ مِنَ النَّصْرِ وَالْفَتْحِ. وَيَأْمُرُهُمْ بِإِقَامَةِ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ. وَيَحُثُّهُمْ عَلَى ذَلِكَ وَيُرَغِّبُهُمْ فِيهِ، كَمَا قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي مُحَمَّدٍ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، أَوْ عِكْرِمَةُ، عَنِ ابْنِ عباس، قال: كَانَ حُيَيُّ بْنُ أَخْطَبَ وَأَبُو يَاسِرِ بْنُ أَخْطَبَ مِنْ أَشَدِّ يهودَ لِلْعَرَبِ حَسَدًا، إذْ خَصهم اللَّهُ بِرَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَكَانَا جَاهدَين فِي ردِّ النَّاسِ عَنِ الْإِسْلَامِ مَا اسْتَطَاعَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِمَا: {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ} الْآيَةَ.
وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ، عَنْ مَعْمَر عَنِ الزُّهْرِيِّ، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ} قَالَ: هُوَ كَعْبُ بْنُ الْأَشْرَفِ.
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا أَبُو الْيَمَانِ، حَدَّثَنَا شُعَيْبٌ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، أَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ، عَنْ أَبِيهِ: أَنَّ كَعْبَ بْنَ الْأَشْرَفِ الْيَهُودِيَّ كَانَ شَاعِرًا، وَكَانَ يَهْجُو النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَفِيهِ [3] أَنْزَلَ اللَّهُ: {وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ} إِلَى قَوْلِهِ: {فَاعْفُوا وَاصْفَحُوا}
وَقَالَ الضَّحَّاكُ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ: أَنَّ رَسُولًا أُمِّيًّا يُخْبِرُهُمْ بِمَا فِي أَيْدِيهِمْ مِنَ الْكُتُبِ وَالرُّسُلِ [4] وَالْآيَاتِ، ثُمَّ يُصَدِّقُ بِذَلِكَ كُلِّهُ مِثْلَ تَصْدِيقِهِمْ، وَلَكِنَّهُمْ جَحَدُوا ذَلِكَ كُفْرًا وحسدًا وبغيًا؛ ولذلك قال

[1] في أ: "من".
[2] في جـ: "يحذر تبارك وتعالى".
[3] في ط، ب: "وفيهم".
[4] في جـ، ط، ب: "من الرسل والكتب".
اسم الکتاب : تفسير ابن كثير - ت سلامة المؤلف : ابن كثير    الجزء : 1  صفحة : 382
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست