responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير ابن كثير - ت سلامة المؤلف : ابن كثير    الجزء : 1  صفحة : 363
يَا وَيْلَهُ! مَاذَا أَصْنَعُ [1] ؟.
وَعَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ فِي تَفْسِيرِ هَذِهِ الْآيَةِ: نَعَمْ، أُنْزِلَ الْمَلَكَانِ بِالسِّحْرِ، لِيُعَلِّمَا [2] النَّاسَ الْبَلَاءَ الذِي أَرَادَ اللَّهُ أَنْ يَبْتَلِيَ بِهِ النَّاسَ، فَأُخِذَ عَلَيْهِمَا الْمِيثَاقُ أَنْ لَا يُعَلِّمَا أَحَدًا حَتَّى يَقُولَا {إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ} رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، وَقَالَ قَتَادَةُ: كَانَ أُخِذَ عَلَيْهِمَا أَلَّا يُعَلِّمَا أَحَدًا حَتَّى يَقُولَا {إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ} -أَيْ: بَلَاءٌ ابْتُلِينَا بِهِ- {فَلا تَكْفُرْ}
وَقَالَ [قَتَادَةُ وَ] [3] السُّدِّيُّ: إِذَا أَتَاهُمَا إِنْسَانٌ يُرِيدُ السِّحْرَ، وَعَظَاهُ، وَقَالَا لَهُ: لَا تَكْفُرْ، إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ. فَإِذَا أَبَى قَالَا لَهُ: ائْتِ هَذَا الرَّمَادَ، فبُلْ عَلَيْهِ. فَإِذَا بَالَ عَلَيْهِ خَرَجَ مِنْهُ نُورٌ فَسَطَعَ حَتَّى يَدْخُلَ السَّمَاءَ، وَذَلِكَ الْإِيمَانُ. وَأَقْبَلَ شَيْءٌ أَسْوَدُ كَهَيْئَةِ الدُّخَانِ حَتَّى يَدْخُلَ فِي مَسَامِعِهِ وكلِّ شَيْءٍ [مِنْهُ] [4] . وَذَلِكَ غَضَبُ اللَّهِ. فَإِذَا أَخْبَرَهُمَا بِذَلِكَ عَلَّمَاهُ السِّحْرَ، فَذَلِكَ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ} الْآيَةَ.
وَقَالَ سُنَيد، عَنْ حَجَّاجٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: لَا يَجْتَرِئُ عَلَى السِّحْرِ إِلَّا كَافِرٌ.
وَأَمَّا الْفِتْنَةُ فَهِيَ الْمِحْنَةُ وَالِاخْتِبَارُ، وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ:
وَقَدْ فُتن النَّاسُ فِي دِينِهِمْ ... وخَلَّى ابنُ عَفَّانَ شَرًّا طَوِيلَا (5)
وَكَذَلِكَ [6] قولُه تَعَالَى إِخْبَارًا عَنْ مُوسَى، عَلَيْهِ السَّلَامُ، حَيْثُ قَالَ: {إِنْ هِيَ إِلا فِتْنَتُكَ} أَيِ: ابْتِلَاؤُكَ وَاخْتِبَارُكَ وَامْتِحَانُكَ {تُضِلُّ بِهَا مَنْ تَشَاءُ وَتَهْدِي مَنْ تَشَاءُ} [الْأَعْرَافِ: 155] [7] .
وَقَدِ اسْتَدَلَّ بَعْضُهُمْ بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى تَكْفِيرِ مَنْ تَعَلَّمَ السِّحْرَ، ويُستشهد لَهُ بِالْحَدِيثِ الذِي رَوَاهُ الْحَافِظُ أَبُو بَكْرٍ الْبَزَّارُ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَشِ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عن هُمَامٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ، قَالَ: مَنْ أَتَى كَاهِنًا أَوْ سَاحِرًا فَصَدَّقَهُ بِمَا يَقُولُ، فَقَدْ كَفَرَ بِمَا أُنْزِلَ عَلَى مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وَهَذَا إِسْنَادٌ جَيِّدٌ [8] وَلَهُ شَوَاهِدُ أُخَرَ.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ} أَيْ: فَيَتَعَلَّمُ النَّاسُ مِنْ هَارُوتَ وَمَارُوتَ مِنْ عِلْمِ السِّحْرِ مَا يَتَصَرَّفُونَ بِهِ فِيمَا يَتَصَرَّفُونَ فِيهِ مِنَ الْأَفَاعِيلُ الْمَذْمُومَةِ، مَا إِنَّهُمْ ليفَرِّقُون بِهِ بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ مَعَ مَا بَيْنَهُمَا مِنَ الْخُلْطَةِ وَالِائْتِلَافِ. وَهَذَا مِنْ صَنِيعِ الشَّيَاطِينِ، كَمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ، مِنْ حَدِيثِ الْأَعْمَشِ، عَنْ أَبِي سُفْيَانَ طَلْحَةَ بْنِ نَافِعٍ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، رَضِيَ اللَّهُ

[1] في أ، و: "ماذا صنع".
[2] في أ، و: "ليعلموا" وهو خطأ.
[3] زيادة من و.
[4] زيادة من أ، و.
(5) البيت في تفسير الطبري (2/ 444) وانظر هناك الاختلاف في قائله.
[6] في ط، ب، أ، و: "وكذا".
[7] في جـ، ط، ب، أ، و: "وتهدي من تشاء الآية".
[8] في جـ، ط، ب، أ، و: "إسناد صحيح".
اسم الکتاب : تفسير ابن كثير - ت سلامة المؤلف : ابن كثير    الجزء : 1  صفحة : 363
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست