responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير ابن كثير - ت سلامة المؤلف : ابن كثير    الجزء : 1  صفحة : 305
السَّحَابِ. قَالَ الْقَاضِي الْبَاقِلَّانِيُّ: وَهَذَا تَأْوِيلٌ بَعِيدٌ وَتَبِعَهُ فِي اسْتِبْعَادِهِ فَخْرُ الدِّينِ الرَّازِيُّ وَهُوَ كَمَا قَالَا؛ فَإِنَّ هَذَا خُرُوجٌ عَنْ ظَاهِرِ اللَّفْظِ بِلَا دَلِيلٍ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ] [1] .
وَقَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ، حَدَّثَنَا الْحَكَمُ بْنُ هِشَامٍ الثَّقَفِيُّ، حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ أَبِي طَالِبٍ -يَعْنِي يَحْيَى بْنَ يَعْقُوبَ-فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأنْهَارُ} قَالَ: هُوَ كَثْرَةُ الْبُكَاءِ {وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ} قَالَ: قَلِيلُ الْبُكَاءِ {وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ} قَالَ: بُكَاءُ الْقَلْبِ، مِنْ غَيْرِ دُمُوعِ الْعَيْنِ.
وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّ هَذَا مِنْ بَابِ الْمَجَازِ؛ وَهُوَ إِسْنَادُ الْخُشُوعِ إِلَى الْحِجَارَةِ كَمَا أُسْنِدَتِ الْإِرَادَةُ إِلَى الْجِدَارِ فِي قَوْلِهِ: {يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ} قَالَ الرَّازِيُّ وَالْقُرْطُبِيُّ وَغَيْرُهُمَا مِنَ الْأَئِمَّةِ: وَلَا حَاجَةَ إِلَى هَذَا فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَخْلُقُ فِيهَا هَذِهِ الصِّفَةَ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّا عَرَضْنَا الأمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا} الْآيَةَ، وَقَالَ: {وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ} وَ {أَوَلَمْ يَرَوْا إِلَى مَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ يَتَفَيَّأُ ظِلالُهُ} الْآيَةَ، {قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ} {لَوْ أَنزلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ} الْآيَةَ، {وَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ} الْآيَةَ، وَفِي الصَّحِيحِ: "هَذَا جَبَلٌ يُحِبُّنَا وَنُحِبُّهُ"، وَكَحَنِينِ الْجِذْعِ الْمُتَوَاتِرِ خَبَرُهُ، وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ: "إِنِّي لَأَعْرِفُ حَجَرًا بِمَكَّةَ كَانَ يُسَلِّمُ عَلِيَّ قَبْلَ أَنْ أُبْعَثَ إِنِّي لَأَعْرِفُهُ الْآنَ" وَفِي صِفَةِ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ أَنَّهُ يَشْهَدُ لِمَنِ اسْتَلَمَهُ بِحَقٍّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا فِي مَعْنَاهُ. وَحَكَى الْقُرْطُبِيُّ قَوْلًا أَنَّهَا لِلتَّخْيِيرِ؛ أَيْ مَثَلًا لِهَذَا وَهَذَا وَهَذَا مِثْلُ جَالِسِ الْحَسَنَ أَوِ ابْنَ سِيرِينَ.. وَكَذَا حَكَاهُ الرَّازِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ وَزَادَ قَوْلًا آخَرَ: إِنَّهَا لِلْإِبْهَامِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمُخَاطَبِ كَقَوْلِ الْقَائِلِ أَكَلْتُ خُبْزًا أَوْ تَمْرًا، وَهُوَ يَعْلَمُ أَيُّهُمَا أَكَلَ، وَقَالَ آخَرُ: إِنَّهَا بِمَعْنَى قَوْلِ الْقَائِلِ كُلْ حُلْوًا أَوْ حَامِضًا؛ أَيْ لَا يَخْرُجُ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا؛ أَيْ وَقُلُوبُكُمْ صَارَتْ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً مِنْهَا لَا تَخْرُجُ عَنْ وَاحِدٍ مِنْ هَذَيْنَ الشَّيْئَيْنِ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
تَنْبِيهٌ:
اخْتَلَفَ عُلَمَاءُ الْعَرَبِيَّةِ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً} بَعْدَ الْإِجْمَاعِ عَلَى اسْتِحَالَةِ كَوْنِهَا لِلشَّكِّ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: "أَوْ" هَاهُنَا بِمَعْنَى الْوَاوِ، تَقْدِيرُهُ: فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ وَأَشَدُّ قَسْوَةً كَقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا تُطِعْ مِنْهُمْ آثِمًا أَوْ كَفُورًا} [الْإِنْسَانِ: 24] ، وَكَمَا قَالَ النَّابِغَةُ الذُّبْيَانِي:
قَالَتْ أَلَا لَيْتَمَا هَذَا الحمامُ لَنَا ... إِلَى حَمامتنا أَوْ نِصفُه فَقدِ (2)
تُرِيدُ: وَنِصْفُهُ، قَالَهُ ابْنُ جَرِيرٍ. وَقَالَ جَرِيرُ بْنُ عَطِيَّةَ:
نَالَ الخِلافَةَ أَوْ كَانَتْ لَهُ قَدَرًا ... كَمَا أَتَى ربَّه مُوسى عَلَى قَدَرِ (3)
قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: يَعْنِي نَالَ الْخِلَافَةَ، وَكَانَتْ لَهُ قَدْرًا.
وَحَكَى الْقُرْطُبِيُّ قَوْلًا أَنَّهَا لِلتَّخْيِيرِ فِي مَفْهُومِهَا بِهَذَا أَوْ بِهَذَا مِثْلَ جَالِسِ الْحَسَنَ أَوِ ابْنَ سِيرِينَ، وَكَذَا حَكَاهُ فَخْرُ الدِّينِ فِي تَفْسِيرِهِ وَزَادَ قَوْلًا آخَرَ وَهُوَ: أَنَّهَا لِلْإِبْهَامِ وَبِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمُخَاطَبِ، كَقَوْلِ الْقَائِلِ: أَكَلْتُ خُبْزًا أَوْ تَمْرًا وَهُوَ يَعْلَمُ أَيُّهُمَا أَكَلَ، وَقَوْلًا آخَرَ وَهُوَ أَنَّهَا بِمَعْنَى قَوْلِ الْقَائِلِ: أَكْلِي حُلْوٌ أَوْ حَامِضٌ، أَيْ: لَا يَخْرُجُ عَنْ وَاحِدٍ مِنْهُمَا، أَيْ: وَقُلُوبُكُمْ صَارَتْ فِي قَسْوَتِهَا كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً مِنْهَا لَا يَخْرُجُ عَنْ وَاحِدٍ مِنْ هَذَيْنَ الشَّيْئَيْنِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَالَ آخَرُونَ: "أَوْ" هَاهُنَا بِمَعْنَى بَلْ، تَقْدِيرُهُ [4] فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ بَلْ أَشَدُّ قَسْوَةً، وَكَقَوْلِهِ: {إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النَّاسَ كَخَشْيَةِ اللَّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً} [النِّسَاءِ: 77] {وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ} [الصَّافَّاتِ: 147] {فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى} [النَّجْمِ: 9] وَقَالَ آخَرُونَ: مَعْنَى [5] ذَلِكَ {فَهِيَ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً} عِنْدَكُمْ. حَكَاهُ ابْنُ جَرِيرٍ.
وَقَالَ آخَرُونَ: الْمُرَادُ بِذَلِكَ الْإِبْهَامُ عَلَى المخاطب، كما قال أبو الأسود:

[1] زيادة من جـ، ط، ب، أ، و.
(2) البيت في تفسير الطبري (2/236) .
(3) البيت في تفسير الطبري (2/236) .
[4] في جـ، ط، ب: "فتقديره".
[5] في جـ: "بمعنى".
اسم الکتاب : تفسير ابن كثير - ت سلامة المؤلف : ابن كثير    الجزء : 1  صفحة : 305
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست