responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير ابن كثير - ت سلامة المؤلف : ابن كثير    الجزء : 1  صفحة : 254
هَكَذَا قَالَ، وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْآيَةَ وَإِنْ كَانَتْ خِطَابًا فِي سِيَاقِ إِنْذَارِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَإِنَّهُمْ لَمْ يُقْصَدُوا بِهَا عَلَى سَبِيلِ التَّخْصِيصِ، وَإِنَّمَا هِيَ عَامَّةٌ لَهُمْ، وَلِغَيْرِهِمْ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ} هَذَا مِنْ تَمَامِ الْكَلَامِ الَّذِي قَبْلَهُ، أَيْ: وَإِنَّ الصَّلَاةَ أَوِ الوَصَاة [1] لِثَقِيلَةٌ إلا على الخاشعين الذين يظنون أنهم ملاقو رَبِّهِمْ، أَيْ: [يَعْلَمُونَ أَنَّهُمْ] [2] مَحْشُورُونَ إِلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، مَعْرُوضُونَ عَلَيْهِ، وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ، أَيْ: أُمُورُهُمْ رَاجِعَةٌ إِلَى مَشِيئَتِهِ، يَحْكُمُ فِيهَا مَا يَشَاءُ بِعَدْلِهِ، فَلِهَذَا لَمَّا أَيْقَنُوا بِالْمَعَادِ وَالْجَزَاءِ سَهُل عَلَيْهِمْ فعلُ الطَّاعَاتِ وَتَرْكُ الْمُنْكَرَاتِ.
فَأَمَّا قَوْلُهُ: {يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُو رَبِّهِمْ} قَالَ [3] ابْنُ جَرِيرٍ، رَحِمَهُ اللَّهُ: الْعَرَبُ قَدْ تُسَمِّي الْيَقِينَ ظَنًّا، وَالشَّكَّ ظَنًّا، نَظِيرُ تَسْمِيَتِهِمُ الظُّلْمَةَ سُدْفة، وَالضِّيَاءَ سُدفة، وَالْمُغِيثَ صَارِخًا، وَالْمُسْتَغِيثَ صَارِخًا، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنَ الْأَسْمَاءِ الَّتِي يُسَمَّى بِهَا الشَّيْءُ وَضِدُّهُ، كَمَا قَالَ دُرَيد بْنُ الصِّمَّة:
فَقُلْتُ لَهُمْ ظُنُّوا بِأَلْفَيْ مُدَجَّجٍ ... سَرَاتُهُم فِي الفَارسِيِّ المُسَرَّدِ (4)
يَعْنِي بِذَلِكَ تَيَقَّنُوا بِأَلْفَيْ مُدَجَّجٍ يَأْتِيكُمْ، وَقَالَ عَمِيرة بْنُ طَارِقٍ:
بِأنْ يَعْتَزُوا [5] قَوْمِي وأقعُدَ فِيكُمُ ... وأجعلَ مِنِّي الظنَّ غَيْبًا مُرَجَّمَا (6)
يَعْنِي: وَأَجْعَلُ مِنِّي الْيَقِينَ غَيْبًا مُرَجَّمًا، قَالَ: وَالشَّوَاهِدُ مِنْ أَشْعَارِ الْعَرَبِ وَكَلَامِهَا عَلَى أَنَّ الظَّنَّ فِي مَعْنَى الْيَقِينِ، أَكْثَرُ مِنْ أَنْ تُحْصَرَ، وَفِيمَا ذَكَرْنَا لِمَنْ وُفِّقَ لِفَهْمِهِ كِفَايَةٌ، وَمِنْهُ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: {وَرَأَى الْمُجْرِمُونَ النَّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُوَاقِعُوهَا} [الْكَهْفِ: 53] .
ثُمَّ قَالَ ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَاصِمٍ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ جَابِرٍ، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: كُلُّ ظَنٍّ فِي الْقُرْآنِ يَقِينٌ، أَيْ: ظَنَنْتُ وظَنوا.
وَحَدَّثَنِي الْمُثَنَّى، حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ الحَفَرِيّ، عَنْ سُفْيَانَ عَنِ ابْنِ أَبِي نَجيح، عَنْ مُجَاهِدٍ، قَالَ: كُلُّ ظَنٍّ فِي الْقُرْآنِ فَهُوَ عِلْمٌ. وَهَذَا سَنَدٌ صَحِيحٌ.
وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ الرَّازِيُّ، عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، عَنْ أَبِي الْعَالِيَةِ، فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُو رَبِّهِمْ} قَالَ: الظَّنُّ هَاهُنَا يَقِينٌ.
قَالَ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ: وَرُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ، وَالسُّدِّيِّ، وَالرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، وقتادة نحو قول أبي العالية.

[1] في أ: "الوصية".
[2] زيادة من جـ، ب، أ.
[3] في طـ، ب: "فقال".
(4) البيت في تفسير الطبري (2/18) .
[5] في جـ: "نصروا"، وفي ب، أ: "تعيروا".
(6) البيت في تفسير الطبري (2/18) .
اسم الکتاب : تفسير ابن كثير - ت سلامة المؤلف : ابن كثير    الجزء : 1  صفحة : 254
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست