responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير ابن كثير - ت سلامة المؤلف : ابن كثير    الجزء : 1  صفحة : 202
أَصْلَبُ مِنْ هَذِهِ الْحِجَارَةِ وَأَعْظَمُ.
[وَقِيلَ: الْمُرَادُ بِهَا: حِجَارَةُ الْأَصْنَامِ وَالْأَنْدَادِ الَّتِي كَانَتْ تُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَمَا قَالَ: {إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ} الْآيَةَ [الْأَنْبِيَاءِ: 98] ، حَكَاهُ الْقُرْطُبِيُّ وَفَخْرُ الدِّينِ وَرَجَّحَهُ عَلَى الْأَوَّلِ؛ قَالَ: لِأَنَّ أَخْذَ النَّارِ فِي حِجَارَةِ الْكِبْرِيتِ لَيْسَ بِمُنْكَرٍ فَجَعْلُهَا هَذِهِ الْحِجَارَةُ أَوْلَى، وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ لَيْسَ بِقَوِيٍّ،؛ وَذَلِكَ أَنَّ النَّارَ إِذَا أُضْرِمَتْ بِحِجَارَةِ الْكِبْرِيتِ كَانَ ذَلِكَ أَشَدُّ لِحَرِّهَا وَأَقْوَى لِسَعِيرِهَا، وَلَا سِيَّمَا عَلَى مَا ذَكَرَهُ السَّلَفُ مِنْ أَنَّهَا حِجَارَةٌ مِنْ كِبْرِيتٍ مُعَدَّةٌ لِذَلِكَ، ثُمَّ إِنَّ أَخْذَ النَّارِ فِي هَذِهِ الْحِجَارَةِ -أَيْضًا-مُشَاهَدٌ، وَهَذَا الْجِصُّ يَكُونُ أَحْجَارًا فَتَعْمَلُ فِيهِ بِالنَّارِ حَتَّى يَصِيرَ كَذَلِكَ. وَكَذَلِكَ سَائِرُ الْأَحْجَارِ تَفْخُرُهَا النَّارُ وَتَحْرِقُهَا. وَإِنَّمَا سِيقَ هَذَا فِي حَرِّ هَذِهِ النَّارِ الَّتِي وُعِدُوا بِهَا، وَشِدَّةِ ضِرَامِهَا وَقُوَّةِ لَهَبِهَا كَمَا قَالَ: {كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا} [الْإِسْرَاءِ: 97] . وَهَكَذَا رَجَّحَ الْقُرْطُبِيُّ أَنَّ الْمُرَادَ بِهَا الْحِجَارَةَ الَّتِي تُسَعَّرُ بِهَا النَّارُ لِتَحْمَى وَيَشْتَدَّ لَهَبُهَا قَالَ: لِيَكُونَ ذَلِكَ أَشَدَّ عَذَابًا لِأَهْلِهَا، قَالَ: وَقَدْ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: "كُلُّ مُؤْذٍ فِي النَّارِ" وَهَذَا الْحَدِيثُ لَيْسَ بِمَحْفُوظٍ وَلَا مَعْرُوفٍ [1] ثُمَّ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَقَدْ فُسِّرَ بِمَعْنَيَيْنِ، أَحَدُهُمَا: أَنَّ كُلَّ مَنْ آذَى النَّاسَ دَخَلَ النَّارَ [2] ، وَالْآخَرُ: كُلُّ مَا يُؤْذِي فَهُوَ فِي النَّارِ يَتَأَذَّى بِهِ أَهْلُهَا مِنَ السِّبَاعِ وَالْهَوَامِّ وَغَيْرِ ذَلِكَ] [3] .
وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} الْأَظْهَرُ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي {أُعِدَّتْ} عَائِدٌ إِلَى النَّارِ الَّتِي وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ، وَيُحْتَمَلُ عَوْدُهُ عَلَى الْحِجَارَةِ، كَمَا قَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ، وَلَا مُنَافَاةَ بَيْنَ الْقَوْلَيْنِ فِي الْمَعْنَى؛ لِأَنَّهُمَا مُتَلَازِمَانِ.
وَ {أُعِدَّتْ} أَيْ: أَرُصِدَتْ وَحَصَلَتْ لِلْكَافِرِينَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ، كما قال [محمد] [4] بن إسحاق، عن مُحَمَّدٍ، عَنْ عِكْرِمَةَ، أَوْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ، عن ابْنِ عَبَّاسٍ: {أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ} أَيْ: لِمَنْ كَانَ عَلَى مِثْلِ مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ مِنَ الْكُفْرِ.
وَقَدِ اسْتَدَلَّ كَثِيرٌ مِنْ أَئِمَّةِ السُّنَّةِ بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى أَنَّ النَّارَ مَوْجُودَةٌ الْآنَ لِقَوْلِهِ: {أُعِدَّتْ} أَيْ: أَرُصِدَتْ وَهُيِّئَتْ وَقَدْ وَرَدَتْ أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ فِي ذَلِكَ مِنْهَا: "تَحَاجَّتِ الْجَنَّةُ وَالنَّارُ" وَمِنْهَا: "اسْتَأْذَنَتِ النَّارُ رَبَّهَا فَقَالَتْ: رَبِّ أَكَلَ بَعْضِي بَعْضًا فَأَذِنَ لَهَا بِنَفَسَيْنِ نَفَسٌ فِي الشِّتَاءِ وَنَفَسٌ فِي الصَّيْفِ"، وَحَدِيثُ ابْنِ مَسْعُودٍ سَمِعْنَا وَجْبَةً فَقُلْنَا مَا هَذِهِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "هَذَا حَجَرٌ أُلْقِيَ بِهِ مِنْ شَفِيرِ جَهَنَّمَ مُنْذُ سَبْعِينَ سَنَةً الْآنَ وَصَلَ إِلَى قَعْرِهَا" وَهُوَ عِنْدَ مُسْلِمٍ [5] وَحَدِيثُ صَلَاةِ الْكُسُوفِ وَلَيْلَةِ الْإِسْرَاءِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَحَادِيثِ الْمُتَوَاتِرَةِ فِي هَذَا الْمَعْنَى وَقَدْ خَالَفَتِ الْمُعْتَزِلَةُ بِجَهْلِهِمْ فِي هَذَا وَوَافَقَهُمُ الْقَاضِي مُنْذِرُ بْنُ سَعِيدٍ الْبَلُّوطِيُّ قَاضِي الْأَنْدَلُسِ.

[1] رواه الخطيب في تاريخ بغداد (11/299) من طريق المفيد عن الأشج، عن علي رضي الله عنه به مرفوعًا.
[2] في أ: "عذب في النار".
[3] زيادة من جـ، ط، ب، أ، و.
[4] زيادة من جـ.
[5] صحيح مسلم برقم (2844) .
اسم الکتاب : تفسير ابن كثير - ت سلامة المؤلف : ابن كثير    الجزء : 1  صفحة : 202
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست