responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير ابن كثير - ت سلامة المؤلف : ابن كثير    الجزء : 1  صفحة : 199
قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: {شُهَدَاءَكُمْ} أَعْوَانُكُمْ [أَيْ: قَوْمًا آخَرِينَ يُسَاعِدُونَكُمْ عَلَى ذَلِكَ] [1] .
وَقَالَ السُّدِّيُّ، عَنْ أبي مالك: شركاءكم [أَيِ اسْتَعِينُوا بِآلِهَتِكُمْ فِي ذَلِكَ يَمُدُّونَكُمْ وَيَنْصُرُونَكُمْ] [2] .
وَقَالَ مُجَاهِدٌ: {وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ} قَالَ: نَاسٌ يَشْهَدُونَ بِهِ [يَعْنِي: حُكَّامَ الْفُصَحَاءِ] [3] .
وَقَدْ تَحَدَّاهُمُ اللَّهُ تَعَالَى بِهَذَا فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ مِنَ الْقُرْآنِ، فَقَالَ فِي سُورَةِ الْقَصَصِ: {قُلْ فَأْتُوا بِكِتَابٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ هُوَ أَهْدَى مِنْهُمَا أَتَّبِعْهُ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [الْقَصَصِ: 49] وَقَالَ فِي سُورَةِ سُبْحَانَ: {قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الإنْسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هَذَا الْقُرْآنِ لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيرًا} [الْإِسْرَاءِ: 88] وَقَالَ فِي سُورَةِ هُودٍ: {أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَيَاتٍ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [هُودٍ: 13] ، وَقَالَ فِي سُورَةِ يُونُسَ: {وَمَا كَانَ هَذَا الْقُرْآنُ أَنْ يُفْتَرَى مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ الْكِتَابِ لَا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ الْعَالَمِينَ * أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} [يُونُسَ: 37، 38] وَكُلُّ هَذِهِ الْآيَاتِ مَكِّيَّةٌ.
ثُمَّ تَحَدَّاهُمْ [اللَّهُ تَعَالَى] [4] بِذَلِكَ -أَيْضًا-فِي الْمَدِينَةِ، فَقَالَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ: {وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ} أَيْ: [فِي] [5] شَكٍّ {مِمَّا نزلْنَا عَلَى عَبْدِنَا} يَعْنِي: مُحَمَّدًا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. {فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِنْ مِثْلِهِ} يَعْنِي: مِنْ مِثْلِ [هَذَا] [6] الْقُرْآنِ؛ قَالَهُ مُجَاهِدٌ وَقَتَادَةُ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ جَرِيرٍ. بِدَلِيلِ قَوْلِهِ: {فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ} [هُودٍ: 13] وَقَوْلُهُ: {لَا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ} [الْإِسْرَاءِ: 88] وَقَالَ بَعْضُهُمْ: مِنْ مِثْلِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَعْنِي: مِنْ رَجُلٍ أُمِّيٍّ مِثْلِهِ. وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ التَّحَدِّيَ عَامٌّ لَهُمْ كُلُّهُمْ، مَعَ أَنَّهُمْ أَفْصَحُ الْأُمَمِ، وَقَدْ [7] تَحَدَّاهُمْ بِهَذَا فِي مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ مَرَّاتٍ عَدِيدَةٍ، مَعَ شِدَّةِ عَدَاوَتِهِمْ لَهُ وَبُغْضِهِمْ لِدِينِهِ، وَمَعَ هَذَا عَجَزُوا عَنْ ذَلِكَ؛ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: {فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَلَنْ تَفْعَلُوا} "وَلَنْ": لِنَفِيِ التَّأْبِيدِ [8] أَيْ: وَلَنْ تَفْعَلُوا ذَلِكَ أَبَدًا. وَهَذِهِ -أَيْضًا-مُعْجِزَةٌ أُخْرَى، وَهُوَ أَنَّهُ أَخْبَرَ أَنَّ هَذَا الْقُرْآنَ لَا يُعَارَضُ بِمِثْلِهِ أَبَدًا [9] وَكَذَلِكَ وَقَعَ الْأَمْرُ، لَمْ يُعَارَضْ مِنْ لَدُنْهُ إِلَى زَمَانِنَا هَذَا وَلَا يُمْكِنُ، وَأنَّى يَتَأتَّى ذَلِكَ لِأَحَدٍ، وَالْقُرْآنُ كَلَامُ اللَّهِ خَالِقِ كُلِّ شَيْءٍ؟ وَكَيْفَ يُشْبِهُ كَلَامُ الْخَالِقِ كَلَامَ الْمَخْلُوقِينَ؟!
وَمَنْ تَدَبَّرَ الْقُرْآنَ وَجَدَ فِيهِ مِنْ وُجُوهِ الْإِعْجَازِ فُنُونًا ظَاهِرَةً وَخَفِيَّةً مِنْ حَيْثُ اللَّفْظِ وَمِنْ جِهَةِ الْمَعْنَى، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {الر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ} [هُودٍ: [1]] ، فَأُحْكِمَتْ أَلْفَاظُهُ وَفُصِّلَتْ مَعَانِيهِ أَوْ بِالْعَكْسِ عَلَى الْخِلَافِ، فَكُلٌّ مِنْ لَفْظِهِ وَمَعْنَاهُ فَصِيحٌ لَا يُجَارَى وَلَا يُدَانَى، فَقَدْ أَخْبَرَ عَنْ مَغِيبَاتٍ مَاضِيَةٍ وَآتِيَةٍ كَانَتْ وَوَقَعَتْ طِبْقَ مَا أَخْبَرَ سَوَاءً بِسَوَاءٍ، وَأَمَرَ بِكُلِّ خَيْرٍ، وَنَهَى عَنْ كُلِّ شَرٍّ كَمَا قَالَ: {وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلا} [الْأَنْعَامِ: 115] أَيْ: صِدْقًا فِي الْأَخْبَارِ وَعَدْلًا فِي الْأَحْكَامِ، فَكُلُّهُ حَقٌّ وَصِدْقٌ وَعَدْلٌ وَهُدًى لَيْسَ فِيهِ مُجَازَفَةٌ وَلَا كَذِبٌ وَلَا افتراء،

[1] زيادة من جـ، ط.
[2] زيادة من جـ، ط.
[3] زيادة من جـ، ط.
[4] زيادة من جـ.
[5] زيادة من جـ، ط.
[6] زيادة من أ، و.
[7] في أ: "وهو قد".
[8] في جـ، ب، أ، و: "التأبيد في المستقبل".
[9] في جـ، ط، أ: "أبد الآبدين ودهر الداهرين".
اسم الکتاب : تفسير ابن كثير - ت سلامة المؤلف : ابن كثير    الجزء : 1  صفحة : 199
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست