responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير ابن كثير - ت سلامة المؤلف : ابن كثير    الجزء : 1  صفحة : 197
نَفْسِي [1] ؟ فَجَعَلَ يَفْتَدِي نَفْسَهُ مِنْهُمْ بِالْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ حَتَّى فَكَّ نَفْسَهُ. وَأَمَرَكُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ كَثِيرًا؛ وَإِنَّ مَثَلَ ذَلِكَ كَمَثَلِ رَجُلٍ طَلَبَهُ الْعَدُوُّ سِراعا فِي أَثَرِهِ، فَأَتَى حِصْنًا حَصِينًا فَتَحَصَّنَ فِيهِ، وَإِنَّ الْعَبْدَ أَحْصَنُ مَا يَكُونُ مِنَ الشَّيْطَانِ إِذَا كَانَ فِي ذِكْرِ اللَّهِ".
قَالَ: وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "وَأَنَا آمُرُكُمْ بِخَمْسٍ اللَّهُ أَمَرَنِي بِهِنَّ: الْجَمَاعَةُ، وَالسَّمْعُ، وَالطَّاعَةُ، وَالْهِجْرَةُ، وَالْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ؛ فَإِنَّهُ مَنْ خَرَجَ مِنَ الْجَمَاعَةِ قيدَ شِبْر فَقَدْ خَلَعَ رِبْقة الْإِسْلَامِ مِنْ عُنُقِهِ، إِلَّا أَنْ يُرَاجِعَ وَمَنْ دَعَا بِدَعْوَى جَاهِلِيَّةٍ فَهُوَ مِنْ جِثِيِّ جَهَنَّمَ". قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَإِنْ صَامَ وَصَلَّى [2] ؟ فَقَالَ: "وَإِنْ صَلَّى وَصَامَ [3] وَزَعَمَ أَنَّهُ مُسْلِمٌ؛ فَادْعُوا الْمُسْلِمِينَ بِأَسْمَائِهِمْ عَلَى مَا سَمَّاهُمُ [4] اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: الْمُسْلِمِينَ الْمُؤْمِنِينَ عِبَادَ اللَّهِ" [5] .
هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ، وَالشَّاهِدُ مِنْهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ قَوْلُهُ: "وَإِنَّ اللَّهَ خَلْقَكُمْ وَرَزَقَكُمْ فَاعْبُدُوهُ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا".
وَهَذِهِ الْآيَةُ دَالَّةٌ عَلَى تَوْحِيدِهِ تَعَالَى بِالْعِبَادَةِ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَقَدِ اسْتَدَلَّ بِهِ كَثِيرٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ كَالرَّازِيِّ وَغَيْرِهِ عَلَى وُجُودِ الصَّانِعِ فَقَالَ: وَهِيَ دَالَّةٌ عَلَى ذَلِكَ بِطَرِيقِ الْأَوْلَى، فَإِنَّ مَنْ تَأَمَّلَ هَذِهِ الْمَوْجُودَاتِ السُّفْلِيَّةِ وَالْعُلْوِيَّةِ وَاخْتِلَافِ أَشْكَالِهَا وَأَلْوَانِهَا وَطِبَاعِهَا وَمَنَافِعِهَا وَوَضْعِهَا فِي مَوَاضِعِ النَّفْعِ بِهَا مُحْكَمَةٌ، عَلِمَ قُدْرَةَ خَالِقِهَا وَحِكْمَتَهُ وَعِلْمَهُ وَإِتْقَانَهُ وَعَظِيمَ سُلْطَانِهِ، كَمَا قَالَ بَعْضُ الْأَعْرَابِ، وَقَدْ سُئِلَ: مَا الدَّلِيلُ عَلَى وُجُودِ الرَّبِّ تَعَالَى؟ فَقَالَ: يَا سُبْحَانَ اللَّهِ، إِنَّ الْبَعْرَةَ لَتَدُلُّ عَلَى الْبَعِيرِ، وَإِنَّ أَثَرَ الْأَقْدَامِ لَتَدُلُّ عَلَى الْمَسِيرِ، فَسَمَاءٌ ذَاتُ أَبْرَاجٍ، وَأَرْضٌ ذَاتُ فِجَاجٍ، وَبِحَارٌ ذَاتُ أَمْوَاجٍ؟ أَلَا يَدُلُّ ذَلِكَ عَلَى وُجُودِ اللَّطِيفِ الْخَبِيرِ؟
وَحَكَى فَخْرُ الدِّينِ عَنِ الْإِمَامِ مَالِكٍ أَنَّ الرَّشِيدَ سَأَلَهُ عَنْ ذَلِكَ فَاسْتَدَلَّ بِاخْتِلَافِ اللُّغَاتِ وَالْأَصْوَاتِ وَالنَّغَمَاتِ، وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ بَعْضَ الزَّنَادِقَةِ سَأَلُوهُ عَنْ وُجُودِ الْبَارِي تَعَالَى، فَقَالَ لَهُمْ: دَعُونِي فَإِنِّي مُفَكِّرٌ فِي أَمْرٍ قَدْ أُخْبِرْتُ عَنْهُ ذَكَرُوا لِي أَنَّ سَفِينَةً فِي الْبَحْرِ مُوقَرَةٌ فِيهَا أَنْوَاعٌ مِنَ الْمَتَاجِرِ وَلَيْسَ بِهَا أَحَدٌ يَحْرُسُهَا وَلَا يَسُوقُهَا، وَهِيَ مَعَ ذَلِكَ تَذْهَبُ وَتَجِيءُ وَتَسِيرُ بِنَفْسِهَا وَتَخْتَرِقُ الْأَمْوَاجَ الْعِظَامَ حَتَّى تَتَخَلَّصَ مِنْهَا، وَتَسِيرَ حَيْثُ شَاءَتْ بِنَفْسِهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَسُوقَهَا أَحَدٌ. فَقَالُوا: هَذَا شَيْءٌ لَا يَقُولُهُ عَاقِلٌ، فَقَالَ: وَيْحَكُمْ هَذِهِ الْمَوْجُودَاتُ بِمَا فِيهَا مِنَ الْعَالَمِ الْعُلْوِيِّ وَالسُّفْلِيِّ وَمَا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ مِنَ الْأَشْيَاءِ الْمُحْكَمَةِ لَيْسَ لَهَا صَانِعٌ!! فَبُهِتَ الْقَوْمُ وَرَجَعُوا إِلَى الْحَقِّ وَأَسْلَمُوا عَلَى يَدَيْهِ.
وَعَنِ الشَّافِعِيِّ: أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ وُجُودِ الصَّانِعِ، فَقَالَ: هَذَا وَرَقُ التُّوتِ طَعْمُهُ وَاحِدٌ تَأْكُلُهُ الدُّودُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْإِبْرَيْسِمُ، وَتَأْكُلُهُ النَّحْلُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْعَسَلُ، وَتَأْكُلُهُ الشَّاةُ وَالْبَعِيرُ وَالْأَنْعَامُ فَتُلْقِيهِ بَعْرًا وَرَوَثًا، وَتَأْكُلْهُ الظِّبَاءُ فَيَخْرُجُ مِنْهَا الْمِسْكُ وَهُوَ شَيْءٌ وَاحِدٌ.
وَعَنِ الْإِمَامِ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ: هَاهُنَا حِصْنٌ حَصِينٌ أَمْلَسُ، لَيْسَ له باب

[1] في جـ، ب، أ، و: "نفسي منكم".
[2] في جـ: "وصلى وزعم أنه مسلم".
[3] في أ: "وإن صلى وإن صام".
[4] في جـ، ط: "بل بما سماهم".
[5] المسند (4/130) .
اسم الکتاب : تفسير ابن كثير - ت سلامة المؤلف : ابن كثير    الجزء : 1  صفحة : 197
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست