responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير ابن كثير - ت سلامة المؤلف : ابن كثير    الجزء : 1  صفحة : 186
تَعَالَى فِيهِمْ: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا فَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ} [الْمُنَافِقُونَ: 3] ، أَوْ أَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الضَّلَالَةَ عَلَى الْهُدَى، كَمَا يَكُونُ [1] حَالُ فَرِيقٍ آخَرَ مِنْهُمْ، فَإِنَّهُمْ أَنْوَاعٌ وَأَقْسَامٌ؛ وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى: {فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ} أَيْ: مَا رَبِحَتْ صَفْقَتُهُمْ فِي هَذِهِ الْبَيْعَةِ، {وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ} أَيْ: رَاشِدِينَ فِي صَنِيعِهِمْ ذَلِكَ.
قَالَ [2] ابْنُ جَرِيرٍ: حَدَّثَنَا بِشْرٌ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ، حَدَّثَنَا سَعِيدٌ، عَنْ قَتَادَةَ {فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ} قَدْ -وَاللَّهِ-رَأَيْتُمُوهُمْ خَرَجُوا مِنَ الْهُدَى إِلَى الضَّلَالَةِ، وَمِنَ الْجَمَاعَةِ إِلَى الْفُرْقَةِ، وَمِنَ الْأَمْنِ إِلَى الْخَوْفِ، وَمِنَ السُّنَّةِ إِلَى الْبِدْعَةِ. وَهَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ، مِنْ حَدِيثِ يَزِيدَ بْنِ زُرَيْع، عَنْ سعيد، عن قتادة، بمثله سواء.

[1] في جـ، ط، ب، أ، و: "كما قد يكون".
[2] في ط: "وقال".
{مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ (17) صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ (18) }
[يُقَالُ: مَثَلٌ وَمِثْلٌ وَمَثِيلٌ -أَيْضًا-وَالْجَمْعُ أَمْثَالٌ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَتِلْكَ الأمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلا الْعَالِمُونَ} [الْعَنْكَبُوتِ: 43] [1] .
وَتَقْدِيرُ هَذَا الْمَثَلِ: أَنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ، شبَّههم فِي اشْتِرَائِهِمُ الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى، وَصَيْرُورَتِهِمْ بَعْدَ التَّبْصِرَةِ إِلَى الْعَمَى، بِمَنِ اسْتَوْقَدَ نَارًا، فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ وَانْتَفَعَ بِهَا وَأَبْصَرَ بِهَا مَا عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ، وتَأنَّس بِهَا فَبَيْنَا هُوَ كَذَلِكَ إذْ طُفِئَتْ نَارُهُ، وَصَارَ فِي ظَلَامٍ شَدِيدٍ، لَا يُبْصِرُ وَلَا يَهْتَدِي، وَهُوَ مَعَ ذَلِكَ أَصَمُّ لَا يَسْمَعُ، أَبْكَمُ لَا يَنْطِقُ، أَعْمَى لَوْ كَانَ ضِيَاءً لَمَا أَبْصَرَ؛ فَلِهَذَا لَا يَرْجِعُ إِلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ قَبْلَ ذَلِكَ، فَكَذَلِكَ هَؤُلَاءِ [2] الْمُنَافِقُونَ فِي اسْتِبْدَالِهِمُ الضَّلَالَةَ عِوَضًا عَنِ الْهُدَى، وَاسْتِحْبَابِهِمُ الغَيّ عَلَى الرّشَد. وَفِي هَذَا الْمَثَلِ دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا، كَمَا أَخْبَرَ عَنْهُمْ تَعَالَى فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضِعِ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
وَقَدْ حَكَى هَذَا الَّذِي قُلْنَاهُ فَخْرُ الدِّينِ الرَّازِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ عَنِ السُّدِّيِّ ثُمَّ قَالَ: وَالتَّشْبِيهُ هَاهُنَا فِي غَايَةِ الصِّحَّةِ؛ لِأَنَّهُمْ بِإِيمَانِهِمُ اكْتَسَبُوا أَوَّلًا نُورًا ثُمَّ بِنِفَاقِهِمْ ثَانِيًا أَبْطَلُوا ذَلِكَ النُّورَ فَوَقَعُوا فِي حَيْرَةٍ عَظِيمَةٍ فَإِنَّهُ لَا حَيْرَةَ أَعْظَمُ مِنْ حَيْرَةِ الدِّينِ.
وَزَعَمَ ابْنُ جَرِيرٍ أَنَّ الْمَضْرُوبَ لَهُمُ الْمَثَلُ هَاهُنَا لَمْ يُؤْمِنُوا فِي وَقْتٍ مِنَ الْأَوْقَاتِ، وَاحْتَجَّ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ} [الْبَقَرَةِ: 8] .
وَالصَّوَابُ: أَنَّ هَذَا إِخْبَارٌ عَنْهُمْ فِي حَالِ نِفَاقِهِمْ وَكُفْرِهِمْ، وَهَذَا لَا يَنْفِي أَنَّهُ كَانَ حَصَلَ لَهُمْ إِيمَانٌ قَبْلَ ذَلِكَ، ثُمَّ سُلبوه وَطُبِعَ عَلَى قُلُوبِهِمْ، وَلَمْ يَسْتَحْضِرِ ابْنُ جَرِيرٍ، رَحِمَهُ اللَّهُ، هذه الآية هاهنا وهي

[1] زيادة من جـ، ط.
[2] في جـ: "هم".
اسم الکتاب : تفسير ابن كثير - ت سلامة المؤلف : ابن كثير    الجزء : 1  صفحة : 186
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست