responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير ابن كثير - ت سلامة المؤلف : ابن كثير    الجزء : 1  صفحة : 125
وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ غَيْرُ مُشْتَقٍّ إِذْ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَاتَّصَلَ بِذِكْرِ الْمَرْحُومِ وَقَدْ قَالَ: {وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا} [الْأَحْزَابِ: 43] ، وَحَكَى ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ فِي الزَّاهِرِ عَنِ الْمُبَرِّدِ: أَنَّ الرَّحْمَنَ اسْمٌ عِبْرَانِيٌّ لَيْسَ بِعَرَبِيٍّ، وَقَالَ أَبُو إِسْحَاقَ الزَّجَّاجُ فِي مَعَانِي الْقُرْآنِ: وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ يَحْيَى: الرَّحِيمُ عَرَبِيٌّ، وَالرَّحْمَنُ عِبْرَانِيٌّ، فَلِهَذَا جَمَعَ بَيْنَهُمَا. قَالَ أَبُو إِسْحَاقَ: وَهَذَا الْقَوْلُ مَرْغُوبٌ عَنْهُ [1] . وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ: وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ مُشْتَقٌّ مَا خَرَّجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: "قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: أَنَا الرَّحْمَنُ خَلَقْتُ الرَّحِمَ وَشَقَقْتُ لَهَا اسْمًا مِنَ اسْمِي، فَمَنْ وَصَلَهَا وَصَلْتُهُ وَمَنْ قَطَعَهَا قَطَعْتُهُ" [2] . قَالَ: وَهَذَا نَصٌّ فِي الِاشْتِقَاقِ فَلَا مَعْنَى لِلْمُخَالَفَةِ وَالشِّقَاقِ.
قَالَ: وَإِنْكَارُ الْعَرَبِ لِاسْمِ الرَّحْمَنِ لِجَهْلِهِمْ بِاللَّهِ وَبِمَا وَجَبَ لَهُ، قَالَ الْقُرْطُبِيُّ: هُمَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ كَنَدْمَانَ وَنَدِيمٍ قَالَهُ أَبُو عُبَيْدٍ، وَقِيلَ: لَيْسَ بِنَاءُ فَعْلَانَ كَفَعِيلٍ، فَإِنَّ فَعْلَانَ لَا يَقَعُ إِلَّا عَلَى مُبَالَغَةِ الْفِعْلِ نَحْوَ قَوْلِكَ: رَجُلٌ غَضْبَانُ، وَفَعِيلٌ قَدْ يَكُونُ بِمَعْنَى الْفَاعِلِ وَالْمَفْعُولُ، قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ: الرَّحْمَنُ: اسْمٌ عَامٌّ فِي جَمِيعِ أَنْوَاعِ الرَّحْمَةِ يَخْتَصُّ بِهِ اللَّهُ تَعَالَى، وَالرَّحِيمُ إِنَّمَا هُوَ مِنْ جِهَةِ الْمُؤْمِنِينَ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا} [الْأَحْزَابِ: 43] ، وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: هُمَا اسْمَانِ رَقِيقَانِ، أَحَدُهُمَا أَرَقُّ مِنَ الْآخَرِ، أَيْ أَكْثَرُ رَحْمَةً، ثُمَّ حُكِيَ عَنِ الْخَطَّابِيِّ وَغَيْرِهِ: أَنَّهُمُ اسْتَشْكَلُوا هَذِهِ الصِّفَةَ، وَقَالُوا: لَعَلَّهُ أَرْفَقُ كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ: "إِنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفْقَ فِي الْأَمْرِ كُلِّهِ وَإِنَّهُ يُعْطِي عَلَى الرِّفْقِ مَا لَا يُعْطِي عَلَى الْعُنْفِ" [3] . وَقَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ: الرَّحْمَنُ إِذَا سُئِلَ أَعْطَى، وَالرَّحِيمُ إِذَا لَمَّ يُسْأَلْ يَغْضَبُ، وَهَذَا كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ الَّذِي رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ أَبِي صَالِحٍ الْفَارِسِيِّ الْخُوزِيِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "مَنْ لَمْ يَسْأَلِ اللَّهَ يَغْضَبْ عَلَيْهِ" [4] ، وَقَالَ بَعْضُ الشُّعَرَاءِ:
لَا تَطْلُبَنَّ بُنَيَّ آدَمَ حَاجَةً ... وَسَلِ الَّذِي أَبْوَابُهُ لَا تُغْلَقُ (5)
اللَّهُ يَغْضَبُ إِنْ تَرَكْتَ سُؤَالَهُ ... وَبُنَيُّ آدَمَ حِينَ يسأل يغضب

[1] في أ: "فيه".
[2] سنن الترمذي برقم (1907) من طريق سفيان عن الزهري، عن أبي سلمة، عن عبد الرحمن بن عوف، رضي الله عنه، وقال الترمذي: "حديث سفيان عن الزهري حديث ضعيف".
[3] رواه مسلم في صحيحه برقم (2593) من حديث عائشة، رضي الله عنها، ورواه أبو داود في السنن برقم (4807) من حديث عبد الله بن مغفل، رضي الله عنه.
[4] سنن الترمذي برقم (3373) وسنن ابن ماجة برقم (3827) . وقال الحافظ ابن حجر في الفتح (11/95) : "وهذا الخوزي -أي أبو صالح- مختلف فيه، ضعفه ابن معين، وقواه ابن معين، وظن الحافظ ابن كثير أنه أبو صالح السمان فجزم بأن أحمد تفرد بتخريجه، وليس كما قال، فقد جزم شيخه المزي في الأطراف بما قلته". قلت: قد رأيت أن الحافظ هنا بين أنه الخوزي الفارسي، فأظن أن ما وقع منه إنما هو وهم.
(5) ذكره القرطبي في التفسير (1/106) غير منسوب.
اسم الکتاب : تفسير ابن كثير - ت سلامة المؤلف : ابن كثير    الجزء : 1  صفحة : 125
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست