responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : تفسير ابن كثير - ت سلامة المؤلف : ابن كثير    الجزء : 1  صفحة : 122
قَالَتِ الْحَشَوِيَّةُ وَالْكَرَّامِيَّةُ وَالْأَشْعَرِيَّةُ: الِاسْمُ نَفْسُ الْمُسَمَّى وَغَيْرُ التَّسْمِيَةِ، وَقَالَتِ الْمُعْتَزِلَةُ: الِاسْمُ غَيْرُ الْمُسَمَّى وَنَفْسُ التَّسْمِيَةِ، وَالْمُخْتَارُ عِنْدَنَا: أَنَّ الِاسْمَ غَيْرُ الْمُسَمَّى وَغَيْرُ التَّسْمِيَةِ، ثُمَّ نَقُولُ: إِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِالِاسْمِ هَذَا اللَّفْظَ الَّذِي هُوَ أَصْوَاتٌ مُقَطَّعَةٌ وَحُرُوفٌ مُؤَلَّفَةٌ، فَالْعِلْمُ الضَّرُورِيُّ حَاصِلٌ أَنَّهُ غَيْرُ الْمُسَمَّى، وَإِنْ كَانَ الْمُرَادُ بِالِاسْمِ ذَاتُ الْمُسَمَّى، فَهَذَا يَكُونُ مِنْ بَابِ إِيضَاحِ الْوَاضِحَاتِ وَهُوَ عَبَثٌ، فَثَبَتَ أَنَّ الْخَوْضَ فِي هَذَا الْبَحْثِ عَلَى جَمِيعِ التَّقْدِيرَاتِ يَجْرِي مَجْرَى الْعَبَثِ.
ثُمَّ شَرَعَ يَسْتَدِلُّ عَلَى مُغَايَرَةِ الِاسْمِ لِلْمُسَمَّى، بِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ الِاسْمُ مَوْجُودًا وَالْمُسَمَّى مَفْقُودًا كَلَفْظَةِ الْمَعْدُومِ، وَبِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ لِلشَّيْءِ أَسْمَاءٌ مُتَعَدِّدَةٌ كَالْمُتَرَادِفَةِ وَقَدْ يَكُونُ الِاسْمُ وَاحِدًا وَالْمُسَمَّيَاتُ مُتَعَدِّدَةٌ كَالْمُشْتَرَكِ، وَذَلِكَ دَالٌّ عَلَى تَغَايُرِ الِاسْمِ وَالْمُسَمَّى، وَأَيْضًا فَالِاسْمُ لَفْظٌ وَهُوَ عَرَضٌ وَالْمُسَمَّى قَدْ يَكُونُ ذَاتًا مُمْكِنَةً أَوْ وَاجِبَةً بِذَاتِهَا، وَأَيْضًا فَلَفْظُ النَّارِ وَالثَّلْجِ لَوْ كَانَ هُوَ الْمُسَمَّى لَوَجَدَ اللَّافِظُ بِذَلِكَ حَرَّ النَّارِ أَوْ بَرْدَ الثَّلْجِ وَنَحْوَ ذَلِكَ، وَلَا يَقُولُهُ عَاقِلٌ، وَأَيْضًا فَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {وللهِ الأسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} [الْأَعْرَافِ: 180] ، وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "إِنْ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا" [1] ، فَهَذِهِ أَسْمَاءٌ كَثِيرَةٌ وَالْمُسَمَّى وَاحِدٌ وَهُوَ اللَّهُ تَعَالَى، وَأَيْضًا فَقَوْلُهُ: {وللهِ الأسْمَاءُ الْحُسْنَى} أَضَافَهَا إِلَيْهِ، كَمَا قَالَ: {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} [الْوَاقِعَةِ: 74، 96] وَنَحْوُ ذَلِكَ. وَالْإِضَافَةُ تَقْتَضِي الْمُغَايَرَةَ وَقَوْلُهُ: {فَادْعُوهُ بِهَا} أَيْ: فَادْعُوا اللَّهَ بِأَسْمَائِهِ، وَذَلِكَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهَا غَيْرُهُ، وَاحْتَجَّ مَنْ قَالَ: الِاسْمُ هُوَ الْمُسَمَّى، بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ} [الرَّحْمَنِ: 78] وَالْمُتَبَارِكُ هُوَ اللَّهُ. وَالْجَوَابُ: أَنَّ الِاسْمَ مُعَظَّمٌ لِتَعْظِيمِ الذَّاتِ الْمُقَدَّسَةِ، وَأَيْضًا فَإِذَا قَالَ الرَّجُلُ: زَيْنَبُ طَالِقٌ، يَعْنِي امْرَأَتُهُ طَالِقٌ، طُلِّقَتْ، وَلَوْ كَانَ الِاسْمُ غَيْرُ الْمُسَمَّى لَمَا وَقَعَ الطَّلَاقُ، وَالْجَوَابُ: أَنَّ الْمُرَادَ أَنَّ الذَّاتَ الْمُسَمَّاةَ بِهَذَا الِاسْمِ طَالِقٌ. قَالَ الرَّازِيُّ: وَأَمَّا التَّسْمِيَةُ فَإِنَّهَا جَعْلُ الِاسْمِ مُعَيَّنًا لِهَذِهِ الذَّاتِ فَهِيَ غَيْرُ الِاسْمِ أَيْضًا، وَاللَّهُ أَعْلَمُ] [2] .
{اللَّهِ} عَلَمٌ عَلَى الرَّبِّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى، يُقَالُ: إِنَّهُ الِاسْمُ الْأَعْظَمُ؛ لِأَنَّهُ يُوصَفُ بِجَمِيعِ الصِّفَاتِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ * هُوَ اللَّهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ * هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الأسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [الْحَشْرِ: 22 -24] ، فَأَجْرَى الْأَسْمَاءَ الْبَاقِيَةَ كلها صفات لَهُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى: {وللهِ الأسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا} وَقَالَ تَعَالَى: {قُلْ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَا تَدْعُوا فَلَهُ الأسْمَاءُ الْحُسْنَى} [الْإِسْرَاءِ: 110] وَفِي الصَّحِيحَيْنِ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: "إِنَّ لِلَّهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا، مِائَةٌ إِلَّا وَاحِدًا مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الْجَنَّةَ" [3] ، وجاء تعدادها في رواية الترمذي، [وابن

[1] سيأتي تخريجه في التخريج التالي.
[2] زيادة من ط، أ، و.
[3] صحيح البخاري برقم (7392) وصحيح مسلم برقم (2677) .
اسم الکتاب : تفسير ابن كثير - ت سلامة المؤلف : ابن كثير    الجزء : 1  صفحة : 122
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست