اسم الکتاب : أيسر التفاسير المؤلف : الجزائري، أبو بكر الجزء : 1 صفحة : 473
ما دام قواماً على المرأة يرعاها ويربيها ويصلحها بما أوتى من عقل أكمل من عقلها، وعلمه أغرز من علمها غالباً، وبعد نظر في مبادئ الأمور ونهايتها أبعد من نظرها يضاف إلى ذلك أنه دفع مهراً لم تدفعه، والتزم بنفقات لم تلتزم هي بشيء منها فلما وجبت له الرئاسة عليها، وهي رئاسة شرعية كان له الحق أن يضربها بما لا يشين جارحة أو كيسر عضواً فيكون ضربه لها؛ كضرب المؤدب لمن يؤدبه ويربيه، وبعد تقرير هذا السلطان للزوج على زوجته أمر الله تعالى بإكرام المرأة والإحسان إليها والرفق بها لضعفها وأثنى عليها فقال: {فَالصَّالِحَاتُ} ، وهن: اللائي يؤدين حقوق الله تعالى بطاعته وطاعة رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وحقوق أزواجهن من الطاعة والتقدير والاحترام {قَانِتَاتٌ} : أي: مطيعات لله تعالى، وللزوج، {حَافِظَاتٌ لِلْغَيْبِ} أي: حافظات مال الزوج وعرضه لحديث: "وإذا غاب عنها حفظته في نفسها وماله1" {بِمَا حَفِظَ اللهُ} أي: بحفظ الله تعالى لها وإعانته لها إذ لو وكلت إلى نفسها لا تستطيع حفظ شيء وإن قل. وفي سياق الكلام ما يشير إلى محذوف يفهم ضمناً، وذلك أن الثناء عليهن من قبل الله تعالى يستوجب من الرجل إكرام المرأة الصالحة والإحسان إليها والرفق بها لضعفها، وهذا ما ذكرته أولاً نبته عليه هنا ليعلم أنه من دلالة الآية الكريمة، وقد ذكره غير واحد من السلف.
وقوله تعالى: {وَاللاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلا تَبْغُوا عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً} . فإنه تعالى يرشد الأزواج إلى كيفية علاج الزوجة إذا نشزت، أي: ترفعت على زوجها ولم تؤدي إليه حقوقه الواجبة له بمقتضى العقد بينهما، فيقول: {وَاللاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ} أي: ترفعهن بما ظهر لكم من علامات ودلائل كأن يأمرها فلا تطيع ويدعوها فلا تجيب وينهاها فلا تنتهي، فاسلكوا معهن السبيل الآتي: {فَعِظُوهُنَّ} أولاً، والوعظ تذكيرها بما للزوج عليها من حق يجب أداؤه وما يترتب على إضاعته من سخط الله تعالى وعذابه، وبما قد ينجم من إهمالها في ضربها أو طلاقها، فالوعظ ترغيب بأجر الصالحات القانتات، وترهيب من عقوبة المفسدات العاصيات فإن نفع الوعظ فيها وإلا فالثانية وهي: أن يهجرها[2] الزوج في الفراش فلا يكلمها وهو نائم معها على فراش واحد وقد
1 رواه أبو داود الطيالسي، وقد تقدم في النهر آنفاً، وهو حديث صحيح. [2] هذا الهجر في الفراش شهر فلا يزيد عليه كما فعل النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين أسر إلى حفصة فأفشته لعائشة، ولا يكون كالإيلاء أربعة أشهر.
اسم الکتاب : أيسر التفاسير المؤلف : الجزائري، أبو بكر الجزء : 1 صفحة : 473