اسم الکتاب : أيسر التفاسير المؤلف : الجزائري، أبو بكر الجزء : 1 صفحة : 398
ولو كان لنا ما خرجنا ولا قاتلنا ولا أصابنا الذي أصابنا فأطلعه الله تعالى على سرهم، وقال له: رد عليهم بقولك: إن الأمر كله لله. ثم هتك تعالى مرة أخرى سترهم وكشف سرهم فقال: {يُخْفُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ مَا لا يُبْدُونَ لَكَ} أي: يخفون في أنفسهم من الكفر والبغض والعداء لك ولأصحابك ما لا يظهرونه لك. والرابع: لما تحدث المنافقون[1] في سرهم، وقالوا: {لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَاهُنَا} : يريدون لو كان الأمر بأيديهم ما خرجوا لقتال المشركين لأنهم إخوانهم في الشرك والكفر، ولو قتلوا مع من قتل في أحد فأمر الله تعالى رسوله أن يرد عليهم: {قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ} بالمدينة لبرز، أي: ظهر {الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ} وصرعوا فيها وماتوا، لأن ما قدره الله نافذ على كل حال، ولا حذر مع[2] القدر، ولا بد أن يتم خروجكم إلى أحد بتدبير الله تعالى ليبتلي الله، أي: يمتحن ما في صدوركم ويميز ما في قلوبكم فيظهر ما كان غيباً لا يعلمه إلا هو إلى عالم المشاهدة ليعلمه ويراه على حقيقته رسوله والمؤمنون، وهذا لعلم الله تعالى بذات الصدور. هذا معنى قوله تعالى: {قُلْ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ الَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقَتْلُ إِلَى مَضَاجِعِهِمْ وَلِيَبْتَلِيَ اللهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ} .
هذا ما تضمنته الآية الأولى، أما الآية الثانية (154) فقد تضمنت إخبار الله تعالى عن حقيقة واحدة ينبغي أن تعلم وهي أن الذين فروا من المعركة لما اشتد القتال وعظم الكرب، الشيطان هو الذي أوقعهم في هذه الزلة، وهي توليهم عن القتال بسبب[3] بعض الذنوب كانت لهم، ولذا عفا الله عنهم ولم يؤاخذهم بهذه الزلة، وذلك لأن الله غفور حليم، فلذا يمهل عبده حتى يتوب فيتوب عليه ويغفر له، ولو لم يكن حليماً لكان يؤاخذ لأول الذنب والزلة فلا يمكن أحداً من التوبة والنجاة. هذا معنى قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ} أي: عن القتال، يوم التقى الجمعان، أي: جمع المؤمنين وجمع الكافرين بأحد. {إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ[4] الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا [1] تقدم آنفاً أن هذا قاله: رئيس المنافقين: ابن أبي، وقد عاد من الطريق مع ثلاثمائة رجل ممن استجاب لدعوته المثبطة عن القتال، ولا مانع أن يقوله غير واحد من المنافقين، وهو كذلك. [2] أي: بنافع، ولكن طلب الحذر من جملة الأسباب المطلوب اتخاذها طاعة لله، والله يقول: {خُذواْ حِذْرَكم} ، وإنما لما يقع ما قدره الله تعالى ولم ينفع في رده حذر وجب الرضا به والتسليم لله في إجراءه على مقتضى مراده، وعليه فلا أسف ولا حزن ولا سخط، إذ ما قضاه الله هو الخير والخير كله. [3] في هذه الآية بيان بسبب الهزيمة الخفي، وهو مخالفة أمر الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حيث تركوا مواقعهم ونزلوا لطلب الغنيمة، والمراد إلقاء تبعة الهزيمة عليهم، إذ هم السبب فيها. [4] استزلهم: أي: أزلهم بمعنى جعلهم زالين، والزلل: إن كان معناه: انزلاق القدم وسقوط صاحبها، فإن معناها هنا: الوقوع في الذلة التي هي الخطيئة، والسين والتاء في استزلهم للتأكيد، مثل: استفاد كذا واستنشق الماء أو الهواء: {واسْتَغْنَى الله} .
اسم الکتاب : أيسر التفاسير المؤلف : الجزائري، أبو بكر الجزء : 1 صفحة : 398