اسم الکتاب : أيسر التفاسير المؤلف : الجزائري، أبو بكر الجزء : 1 صفحة : 287
معنى الآيات:
ما زال تعالى يقرر ربوبيته وألوهيته ونبوة رسوله ويبطل دعوى نصاري نجران في ألوهية المسيح عليه السلام، فيقول: هو أي: الله الحي القيوم الذي أنزل عليك الكتاب، أي: القرآن منه آيات محكمات، لا نسخ فيها ولا خفاء في معناها ولا غموض في دلالتها على ما نزلت فيه وهذه معظم آي الكتاب وهي أمة واصلة، ومنه آيات أخر متشابهات وهي قليلة والحكمة من إنزالها كذلك الامتحان والاختبار بالحلال والحرام، وبأمور الغيب ليثبت على الهداية والإيمان من شاء الله هدايته، ويزيغ في إيمانه وضل عن سبيله من شاء الله تعالى ضلاله وعدم هدايته. فقال تعالى: {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ ... } أي: ميل عن الحق {فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ} للخروج به عن طريق الحق وهداية الخلق كما فعل النصارى حيث ادعوا أن الله ثالث ثلاثة؛ لأنه يقول نخلق ونحيي، ونميت، وهذا كلام جماعة فأكثر، وكما قالوا في قوله تعالى في شأن عيسى: { ... وَرُوحٌ مِنْهُ[1] ... } أنه جزء منه متحد به وكما قال الخوارج في قوله تعالى: { ... إِنِ الْحُكْمُ إِلا لِلَّهِ[2] ... } فلا يجوز لأحد أن يحكم في شيء وكفروا علياً وخرجوا[3] عنه لتحكيمه أبا موسى الأشعري في حقيقة الخلاف بين على ومعاوية، وهكذا يقع أهل الزيغ في الضلال حيث يتبعون المتشابه ولا يردونه إلى المحكم فيظهر لهم معناه ويفهمون مراد الله تعالى منه. وأخبر تعالى أنه لا يعلم تأويله إلا هو سبحانه وتعالى، وأن الراسخين[4] في العلم يفوضون أمره إلى الله منزله فيقولون { ... آمَنَّا بِهِ[5] كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلا أُولُو الأَلْبَاب[6]} ، ويسألون ربهم الثبات [1] سورة النساء: 171. [2] سورة الأنعام: 57. [3] روى أن أبا أمامة رضي الله عنه مر برؤوس منصوبة عند باب مسجد دمشق فسأل عنها، فقيل: إنها رؤوس خوارج جيء بها من العراق فقال: "أولئك كلاب النار ثلاثاً شر قتلة تحت ظل السماء طوبى لمن قتلهم ثلاثاً ثم بكى، فقيل ما يبكيك. فقال: رحمة بهم إنهم كانوا من أهل الإسلام فخرجوا منه، ثم قرأ: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ} إلى قوله: {أولو الألباب} . [4] روى أن ابن عباس رضي الله عنه قال: "التفسير على أربعة أنحاء: تفسير لا يعذر أحد في فهمه، وتفسير تعرفه العرب من لغتها، وتفسير يعلمه الراسخون في العلم، وتفسير لا يعلمه إلا الله". كما يروى هذا عن عائشة وغيرها. [5] الجمهور على أن الوقف على قوله: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلا اللهُ} ومن هنا قالوا: لا يعلم المتشابهة إلا الله، وهو مما استأثر به دون عباده ومن قال: "أن قوله تعالى: {وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ} معطوف على قوله: {وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلا اللهُ} ، قالوا: إن الراسخين في العلم قد يعلمون المتشابه دون البعض ويدل عليه قولهم: {كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا} أي: ما علمناه وما لم نعلمه، وروى أن ابن عباس قال: "أنا ممن يعلم تأويله". [6] هذه الجملة ليست من كلام الراسخين ولكنها من كلام الله تعالى فهي تذييل للكلام السابق سيقت للثناء عليهم.
اسم الکتاب : أيسر التفاسير المؤلف : الجزائري، أبو بكر الجزء : 1 صفحة : 287