اسم الکتاب : اللباب في علوم الكتاب المؤلف : ابن عادل الجزء : 1 صفحة : 529
الثاني: أن «إبليس» قال: {أَرَأَيْتَكَ هذا الذي كَرَّمْتَ عَلَيَّ} [الإسراء: 62] أي: أن كونه مسجوداً يدلّ على أن أعظم حالاً من السّاجد، ولو كان قِبْلَةً لما حصلت هذه الدرجة بدليل أن محمداً - عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ - كان يصلِي إلى الكعبة، ولم تَكُنِ الكعبة أفضل من محمد عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ.
والجواب عن الأول: أنه كما يجوز أن يقال: صَلَّيْتُ إلَى القبلة، جاز أن يقال: صَلَّيْتُ للقبلة؛ قال تعالى: {أَقِمِ الصلاة لِدُلُوكِ الشمس} [الإسراء: 78] والصّلاة لله لا للِدُّلُوكِ؛ وقال حسان: [البسيسط]
383 - مَا كُنْتُ أَعْرِفُ أَنَّ الأَمْرَ مُنْصَرِفٌ ... عَنْ هَاشِمٍ ثُمَّ مِنْهَا عَنْ أَبِي حَسَنِ
أَلَيْسَ أَوَّلَ مَنْ صَلَّى لِقِبْلَتِكُمْ وَأَعْرَفَ النَّاسِ بالقٌرْآنِ وَالسُّنَنِ
والجواب عن الثاني: لا نسلم أن التكرُّم حصل بمجرد ذلك السُّجود، بل لعله حصل بذلك مع أمور أخر.
والقول الثاني: أن السجدة كان لآدم تعظيماً له وتحيَّةً له كالسَّلام مهم عليه، وقد كانت الأمم السَّالفة تفعل ذلك.
قال قتادة: قوله: {وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّدَ} [يوسف: 100] كانت تحيّة الناس يومئذ.
الثَّالث: أنَّ السجود في أَصْلِ اللُّغة، هو الانقياد والخضوع، ومنه قوله تعالى: {والنجم والشجر يَسْجُدَانِ} [الرحمن: 6] .
واعلم أن القول الأوّل ضعيف، لأن المقصود تعظيم آدم عَلَيْهِ الصَّلَاة وَالسَّلَام ُ، وجعله مجرّد القِبْلَةِ لا يفيد تعظيم حاله.
والقول الثالث: ضعيف أيضاً؛ لأن السجود في عرف الشرع عبارة عن وضع الجَبْهَةِ على الأرض فوجب أن يكون في أصل اللغة كذلك؛ لأن الأصل عدم التغيير.
فإن قيل: السجود عِبَادَةٌ، والعبادة لغير الله لا تجوز.
فالجواب: لا نسلم عِبَادَةٌ، والعبادة لغير الله لا تجوز.
فالجواب: لا نسلم أنه عِبَادَةٌ؛ لأن الفعل قد يصير بالمُواضعة مفيداً كالقول، كقيام أحدنا للغير يُفِيدُ من الإعظام ما يفيده القول، وما ذاك إلا للعادة، وإذا ثبت ذلك لم يمتنع أن يكون في بعض الأوقات سقوط الإنسان على الأَرْضِ وإلصاقه الجَبينَ بها مفيداً ضرباً من العظيم، وإن لم يكن ذلك عِبَادَة، وإذا كان كذلك لم يمتنع أن يتعبّد الله النلائكة بذلك إظهاراً لرفعته وكرامته.
فصل في بيان أن الأنبياء أفضل من الملائكة
قال أكثر أهل السُّنة: الأنبياء أفضل من الملائكة.
اسم الکتاب : اللباب في علوم الكتاب المؤلف : ابن عادل الجزء : 1 صفحة : 529