اسم الکتاب : اللباب في علوم الكتاب المؤلف : ابن عادل الجزء : 1 صفحة : 416
وإذا ثبت هذا فقوله: {الذي جَعَلَ لَكُمُ الأرض فِرَاشاً} يقتضي أنهم كانوا عالمين بوجود شيء جعل الأرض فراشاً، والسّماء بناءً، وذلك تحقيق قوله تعالى: {وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ السماوات والأرض لَيَقُولُنَّ الله} [لقمان: 25] .
و «جعل» فيها وجهان:
أحدهما: أن تكون بمعنى «صَيَّر» فتتعدى لمفعولين فيكون «الأرض» مفعولاً أول، و «فراشاً» مفعولاً ثانياً.
والثاني: أن يكون بمعنى «خلق» فيتعدّى لواحد وهو «الأرض» ويكون «فراشاً» حالاً.
و «السماء بناء» عطف على «الأرض فراشاً» ونظيره قوله: {أَمَّن جَعَلَ الأرض قَرَاراً وَجَعَلَ خِلاَلَهَآ أَنْهَاراً} [النمل: 61] وقوله: {وَلَئِن سَأَلْتَهُمْ مَّنْ خَلَقَ السماوات والأرض لَيَقُولُنَّ الله} [طه: 53] .
واعلم أن كون الأرض فراشاً مشروط بأمور:
قال ابن الخطيب: أحدها: كونها ساكنة؛ فإنها لو كانت متحركة لم يمكن الانتفاع بها لما تقرر في المعقولات.
الثاني: ألا تكون في غاية الصَّلابة كالحجر؛ فإن النّوم عليه والمشي مما يؤلم البدن، وأيضاً لو كانت الأرض من الذَّهب مثلاً لتعذّرت الزراعة ولتعذّر حفرها، وتركيبها لما يراد.
وألاَّ تكون في غاية اللين كالماء الذي تغوص فيه الرِّجْل.
الثالث: ألاّ يكون في غاية اللّطافة والشفافية؛ فإن الشفّاف لا يستقر النور عليه، وما كان كذلك ف"نه لا يسخن بالشمس فكان يبرد جدًّا، فجعل كيفية لونه أخضر ليستقر النور عليهن فيتسخن فيصلح أن يكون فراشاً للحيوانات.
الرابع: أن تكون بارزةً من الماء؛ لأن طبع الأرض أن يكون غائصاً في الماء فكان يجب أن تكون البحار محيطةً بالأرض، ولو كانت كذلك لما كانت فراشاً لنا، فقلب الله طبيعة الأرض وأخرج بعض أجزائها [من المياه] كالجزيرة البارزة حتى صلحت لأن تكون فراشاً لنا.
اسم الکتاب : اللباب في علوم الكتاب المؤلف : ابن عادل الجزء : 1 صفحة : 416