اسم الکتاب : الفواتح الإلهية والمفاتح الغيبية المؤلف : النخجواني، نعمة الله الجزء : 1 صفحة : 431
قاطعة دالة على توحيد الحق لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ سمع قبول وتأمل وتدبر
وَإِنَّ لَكُمْ ايضا ايها المتأملون المتدبرون فِي الْأَنْعامِ لَعِبْرَةً واعتبارا لو تعتبرون بها وتتفكرون فيها حق التفكر والتدبر لانكشفتم بعجائب صنعتنا وكمال قدرتنا ومتانة حكمتنا وحيطة علمنا وارادتنا إذ نُسْقِيكُمْ ونشربكم مِمَّا فِي بُطُونِهِ اى في بطون بعض الانعام مستخرجا مستحدثا مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ اى اخلاط وفضلات متكونة في كرشها وَدَمٍ نجس سار سائل في الشرايين والعروق لَبَناً طاهرا خالِصاً صافيا عن كدورات كلا الطرفين بحيث لا يشوبه شيء منهما لا من لون الدم ولا من ريح الفرث سائِغاً سهل المرور والانحدار هنيئا مريئا لِلشَّارِبِينَ بلا تعسر لهم في شربه وبلا كلفة في سوغه وانحداره
وَنسقيكم ايضا ايها المعتبرون مِنْ ثَمَراتِ النَّخِيلِ وَالْأَعْنابِ بحيث تَتَّخِذُونَ مِنْهُ اى من عصير كل منهما سَكَراً خمرا يترتب على شربه السكر وهو وان كان حراما شرعا الا انه تدل على عجائب صنع الله وغرائب مبدعاته ومخترعاته وَايضا تتخذون من كل منهما رِزْقاً حَسَناً كالتمر والزبيب والدبس والخل وانواع الأدم إِنَّ فِي ذلِكَ الاتخاذ لَآيَةً دالة على كمال قدرة الله وحكمته لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ يستعملون عقولهم بالنظر والتفكر في عجائب آلاء الله وغرائب نعمائه كي يتفطنوا الى وحدة ذاته
وَمن جملة المبدعات والمخترعات التي تجب العبرة والاعتبار عنها انه قد أَوْحى والهم رَبُّكَ يا أكمل الرسل إِلَى النَّحْلِ الضعيف المنحول المستحقر إظهارا لكمال قدرته وحكمته أَنِ اتَّخِذِي اى بان اتخذى. أنثها باعتبار المعنى وان كان لفظ النحل مذكرا مِنَ شقوق الْجِبالِ بُيُوتاً تأوين إليها وَكذا مِنَ شقوق الشَّجَرِ في الآجام وَكذا مِمَّا يَعْرِشُونَ ويبنون لك من الابنية والأماكن واصنعي فيها بالهام الله إياك بيوتات من الشمعة المتخذة من انواع الأزاهير والنباتات التي لا علم لاحد بتعديدها وإحصائها ونضدها ونظمها وتأليفها واجزائها الا لعلام الغيوب كلها مسدسات متساويات الأضلاع والزوايا بحيث لا تفاوت بين أضلاعها وزواياها أصلا فأخذها ورتبها ترتيبا انيقا بحيث قد عجز عن تصويرها حذاق المهندسين فكيف عن لميتها وكنهها
ثُمَّ بعد ما تم بناؤك كُلِي مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ التي قد الهمناك بأكلها فَاسْلُكِي في اتخاذ العسل منها سُبُلَ رَبِّكِ اى السبل التي قد ألهمك وعلمك ربك بسلوكها على وجهها بلا انحراف واعوجاج ذُلُلًا حال كونك مسخرة في حكمه بلا تصرف صدر عنك ثم لما عملت بمقتضى ما اوحيت وألهمت يَخْرُجُ لكم ايها المكلفون بالإيمان والعرفان مِنْ بُطُونِها اى من بطون تلك البيوتات المسدسة شَرابٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُهُ ابيض واسود واخضر واصفر فِيهِ شِفاءٌ لِلنَّاسِ عن الأمراض البلغمية بالأصالة وعن غيرها بالتبعية إِنَّ فِي ذلِكَ الإلهام والوحى والخطاب على النحل المنحول الضعيف بأوامر قد عجزت عنها فحول العقلاء الكاملين في القوة النظرية والعملية وامتثالها وصنعها على الوجه المأمور بلا فوت شيء منها لَآيَةً اى دليلا واضحا وبرهانا قاطعا لائحا على قدرة القادر العليم والصانع الحكيم الذي قد ألهمها ما ألهمها وأوحاها ما أوحاها لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ويتدبرون في الأمور ويتعمقون فيها متدبرين في إنيتها كي تصلوا الى لميتها.
ثم قال سبحانه وَاللَّهُ القادر المقتدر للإحياء والاماتة خَلَقَكُمْ وأظهركم من كتم العدم حسب لطفه وجماله إظهارا إبداعيا وإيجادا اختراعيا مقدرا مدة معينة لبقائكم في النشأة الاولى ثُمَّ بعد
اسم الکتاب : الفواتح الإلهية والمفاتح الغيبية المؤلف : النخجواني، نعمة الله الجزء : 1 صفحة : 431