اسم الکتاب : السراج المنير في الإعانة على معرفة بعض معاني كلام ربنا الحكيم الخبير المؤلف : الخطيب الشربيني الجزء : 1 صفحة : 279
بالعرش تقول: ألا من وصلني وصله الله تعالى ومن قطعني قطعه الله تعالى» ، وقرأ غير حمزة بالنصب عطفاً على الله تعالى فالعامل فيه اتقوا كما قدرته أو معطوف على محل الجار والمجرور كقولك: مررت بزيد وعمراً، وأما حمزة فقرأه بالجر عطفاً على الضمير المجرور، وقول البيضاوي: وهو ضعيف أي: كما هو مذهب البصريين ممنوع، والحق أنه ليس بضعيف فقد جوّزه الكوفيون، وكيف يكون ضعيفاً والقراءة به متواترة؟ فيجب أن يضعف كلام البصريين ويرجع إلى كلام رب العالمين، وتعليلهم عدم الجواز بكونه كبعض كلمة لا يقتضي إلحاقه به في عدم جواز العطف إذ حذف الشيء مع القرينة جائز ومنه:
*رسم دار وقفت في طلله*
أي: ورب رسم دار وقول الشاعر:
*اذهب فما بك والأيام من عجب
{إنّ الله كان عليكم رقيباً} أي: حافظاً لأعمالكم فيجازيكم بها أي: لم يزل متصفاً بذلك {وآتوا اليتامى} أي: بعد البلوغ والرشد {أموالهم} وسموا اليتامى بعد البلوغ مع أنّ اليتيم في عرف الشرع صغير لا أب له على معنى أنهم كانوا يتامى، وإن كان اليُتْيم في اللغة الانفراد، ومنه الدرّة اليتيمة، وقيل: اليتيم في الإناس من قبل الآباء وفي البهائم من قبل الأمهات وفي الطير من قبلهما، والخطاب للأولياء والأوصياء.
روي أنّ رجلاً كان معه مال كثير لابن أخ له يتيم فلما بلغ اليتيم طلب المال من عمه فمنعه فترافعا إلى النبيّ صلى الله عليه وسلم فنزلت هذه الآية، فلما سمعها العم قال: أطعنا الله وأطعنا الرسول، نعوذ بالله من الحوب الكبير فدفع إليه ماله، فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم «ومن يوق شح نفسه ويطع ربه هكذا فإنه يحله داره» أي: جنته، وسيأتي تفسير الحوب الكبير، فلما قبض الفتى ماله أنفقه في سبيل الله، فقال النبيّ صلى الله عليه وسلم «ثبت الأجر وبقي الوزر» فقالوا: يا رسول الله قد عرفنا أنه ثبت الأجر فكيف بقي الوزر وهو ينفق في سبيل الله؟ فقال: «ثبت الأجر للغلام وبقي الوزر على والده» أي: ولعله كان لا يخرج زكاته {ولاتتبدلوا الخبيث} أي: الحرام {بالطيب} أي: الحلال أي: لا تأخذوه بدله كما تفعلون في أخذ الجيد من مال اليتيم وجعل الرديء من مالكم مكانه.
قال الزمخشريّ: وهذا ليس بتبدل، وإنما هو تبديل، قال التفتازانيّ: لأن معنى تبدلت هذا بذاك أنك أخذت هذا وتركت ذاك وكذا استبدلت؛ لأنّ معنى بدلت هذا بذاك أخذت ذاك وأعطيت هذا قال تعالى: {ومن يتبدل الكفر بالإيمان} (البقرة، 108)
فإذا أعطى الرديء وأخذ الجيد فقد أعطى الخبيث وأخذ الطيب كما لو أخذ الخبيث وترك الطيب؛ ليكون تبدل الخبيث بالطيب، فالحاصل أنّ في التبدل ما دخلته الباء متروك، وما تعدى إليه الفعل بنفسه مأخوذ وفي التبديل بالعكس اه. وقد أوضحت ذلك في «شرح المنهاج» {ولا تأكلوا أموالهم إلى} أي: مع {أموالكم} كقوله تعالى: {من أنصاري إلى الله} (آل عمران، 52)
أي: مع الله، أي: لا تنفقوهما معاً، ولا تسووا بينهما، فأكلكم أموالكم حلال لكم، وأكلكم أموالهم حرام عليكم، فلا يحل لكم من أموالهم ما زاد على قدر الأقل من أجرتكم ونفقتكم.
فإن قيل: قد حرم الله عليهم أكل مال اليتيم وحده ومع أموالهم فلم ورد النهي عن أكله معها؟ أجيب: بأنهم كانوا يفعلون كذلك فأنكر عليهم فعلهم وسمع بهم ليكون أزجر لهم؛ ولأنهم إذا كانوا مستغنين عن أموال اليتامى بما رزقهم الله من مال حلال، وهم مع ذلك يطمعون فيها، كان القبح أبلغ والذم
اسم الکتاب : السراج المنير في الإعانة على معرفة بعض معاني كلام ربنا الحكيم الخبير المؤلف : الخطيب الشربيني الجزء : 1 صفحة : 279