اسم الکتاب : التفسير الوسيط المؤلف : طنطاوي، محمد سيد الجزء : 1 صفحة : 90
استوى إلى السماء: أقبل وعمد إليها بإرادته. وتسويتها معناه: تعديل خلقها وتقويمه.
والسماء ليس المراد منها فردا من أفراد السموات، وإنما المراد منها الأجرام العلوية الشاملة لجميع السموات، فصح أن يعود عليها ضمير جمع الإناث في قوله: فَسَوَّاهُنَّ، وكذلك علماء البيان يزيدون أن اللفظ إذا أريد منه جنس ما وضع له صار في معنى الجمع.
فمعنى ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ علا إليها وارتفع، من غير تكييف ولا تحديد ولا تشبيه، مع كما التنزيه عن سمات المحدثات، وقد سئل الإمام مالك عن الاستواء على العرش فقال.
الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة.
وقدم الأرض هنا لأنها أدل لشدة الملابسة والمباشرة.
وجملة ثُمَّ اسْتَوى معطوفة على جملة (خلق لكم) ، وكان العطف بثم لعظم خلق السماء عن خلق الأرض.
وعبر بسواهن للإشعار بأنه- سبحانه- خلقهن في استقامة، واستقامة الخلق هي انتظامه على وجه لا خلل فيه ولا اضطراب. قال- تعالى-:
ما تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ.
وجملة وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ مقررة لما ذكر قبلها من خلق السموات والأرض وما فيهما على هذه الصورة الحكيمة، فقد دلت على أن ترتيب أجزاء تلك المصنوعات وموافقة جميعها للمنافع المقصودة منها، إنما حدث عن عالم بحقائق تلك الأجزاء وخواصها، ولإحاطته بكل شيء علما وضع كل جزء في موضعه اللائق به.
وبعد أن بين سبحانه للناس أنه قد من عليهم بنعمة خلقه ما في الأرض جميعا، بدأ بعد ذلك يذكرهم بنعمة أخرى هي نعمة خلقه لأبيهم آدم، وخلق آدم مبدأ لخلق ذريته، وتكريمه موصول بتكريمهم فقال تعالى: