responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التفسير الوسيط المؤلف : طنطاوي، محمد سيد    الجزء : 1  صفحة : 618
بالحق، وأما لمة الملك فإيعاد بالخير وتصديق بالحق، فمن وجد ذلك فليعلم أنه من الله، ومن وجد الأخرى فليتعوذ بالله من الشيطان ثم قرأ الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ [1] .
هذا ما يعده الشيطان للإنسان، فما الذي يعده الله- تعالى- لعباده؟ لقد بين- سبحانه- ذلك فقال: وَاللَّهُ يَعِدُكُمْ مَغْفِرَةً مِنْهُ وَفَضْلًا، وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ.
أى: إذا كان الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء، فالله- تعالى- يعدكم مغفرة منه لذنوبكم على ما تنفقونه من أموالكم في سبيله ففي الحديث الشريف «الصدقة تطفئ الخطيئة» . ويعدكم- أيضا- فَضْلًا أى نماء وزيادة في أموالكم، فإن الصدقات تزيد البركة في الرزق فيصير القليل منه في يد السخي كثيرا بتوفيق الله وتأييده.
وصدر له سبحانه- الجملة بلفظ الجلالة، للإشارة إلى أن الوعد الذي وعد به المنفقين وعد حق لا يمكن أن يخالطه شك أو ريب، لأنه وعد من الله الذي لا يخلف وعده، وإذا كان الشيطان يهدد الناس بالفقر عند العطاء، ويأمرهم بالفحشاء، فالله- تعالى- يبشر عباده بمغفرته ورضوانه، بسبب اتفاقهم في السراء والضراء ويعدهم على ذلك بالرزق الوفير، والفضل الكبير في الدنيا والآخرة.
وقد ختم- سبحانه- الآية بقوله: وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ تأكيدا لوعده الذي وعد به عباده المتقين المتصدقين بأن يزيدهم من فضله، أى والله- تعالى- واسع الجود والعطاء والرحمة، وسيحقق لكم ما وعدكم به من المغفرة وتضعيف ما تنفقونه، وهو مع ذلك عليم بأحوال عباده صغيرها وكبيرها، وسيجازى الذين اتبعوا أوامره بجزيل الثواب، كما سيجازى الذين اتبعوا وسوسة الشيطان بسوء العذاب.
ثم قال- تعالى-: يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشاءُ، وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً.
قال الإمام الرازي: «اعلم أنه- تعالى- لما ذكر في الآية المتقدمة أن الشيطان يعد بالفقر ويأمر بالفحشاء، وأن الرحمن يعد بالمغفرة والفضل نبه على أن الأمر الذي أوجب لأجله ترجيح وعد الرحمن على وعد الشيطان هو أن وعد الرحمن ترجحه الحكمة والعقل ووعد الشيطان ترجحه الشهوة والنفس من حيث إنهما يأمران بتحصيل اللذة الحاضرة واتباع أحكام الخيال والوهم.
ولا شك أن حكم الحكمة والعقل هو الحكم الصادق المبرأ عن الزيغ والخلل، وحكم الشهوة والنفس يوقع الإنسان في البلاء، فكان حكم الحكمة والعقل أولى بالقبول، فهذا هو وجه النظم» [2] .

[1] تفسير القرطبي ج 3 صفحة 329.
[2] تفسير الفخر الرازي ج 7 ص 72.
اسم الکتاب : التفسير الوسيط المؤلف : طنطاوي، محمد سيد    الجزء : 1  صفحة : 618
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست