لما مر ان غاية الإرضاع الى الحولين لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ- فان قيل الفاء يقتضى ان يقدر الفصال بعد الحولين قلنا الفاء للتعقيب عن مطلق الرّضاع لا عن الحولين وفي المدارك اطلق الحكم وقال زادا على الحولين او نقصا وقال هذا توسعة بعد التحديد وانما قال ذلك ليوافق مذهب ابى حنيفة انه يجوز الإرضاع بعد الحولين الى نصف السنة قلت ولو كان هذا ناسخا للتحديد ويكون الحكم مطلقا او مقيدا ببعد الحولين لزم جواز الإرضاع بعد ثلاث سنين ايضا وهو خلاف الإجماع لم يقل به أحد فلا وجه للتحديد بالحولين ونصف ونحو ذلك وما قالوا ان الحولين ونصف يثبت بقوله تعالى وَحَمْلُهُ وَفِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً- فليس بشىء وسنذكر ذلك في موضعه في سورة النساء في تفسير قوله تعالى وَأُمَّهاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ ان
شاء الله تعالى- فان قيل على تقدير حمل الفصال على ما قبل الحولين ايضا يلزم نسخ التحديد بالحولين قلنا وجوب الإرضاع الى تمام الحولين مقيد بقوله لِمَنْ أَرادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضاعَةَ- وهذه الاية تدل على اباحة الفصال عند ارادتهما بالتراضي والتشاور فلا منافاة ولا نسخ- والله اعلم عَنْ تَراضٍ اى صادرا عن تراض مِنْهُما من الأبوين وَتَشاوُرٍ اى تشاور من اهل العلم به فيجيزوا ان الفطام في ذلك الوقت لا يضر بالولد والمشاورة استخراج الرأى فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فى ذلك وانما اعتبر تراضيهما لئلا يقدم أحدهما على ما يتضرر به الطفل لغرض او غيره وهذا يدل على انه لا يجوز لاحد هما قبل الحولين الفصال من غير تراض بينهما وتشاور مع اهل الرأى وَإِنْ أَرَدْتُمْ ايها الآباء أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلادَكُمْ مراضع غير أمهاتهم ان أبت أمهاتهم ان يرضعنهم لعلة بهن او انقطاع لبن او أردن نكاحا او طلبن اجرا زائدا على غيرهن وانما قيدنا بهذه القيود لما سبق من دفع الضرار عن الوالدين وحذف المفعول الاول للاستغناء عنه فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِذا سَلَّمْتُمْ الى أمهاتهم اى مرضعاتهم ما آتَيْتُمْ يعنى أعطيتم اى ما أردتم ايتاءه كقوله تعالى إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ- او المراد بما أتيتم ما سميتم لهن من اجرة الرضاع بقدر ما أرضعن- او المعنى إذا سلمتم أجور المراضع إليهن والتسليم ندب لا شرط للجواز اجماعا- قرا ابن كثير ما أتيتم هاهنا وفي الروم وما أتيتم من ربا بقصر الالف ومعناه ما فعلتم والتسليم حينئذ بمعنى الاطاعة وعدم الاعتراض يعنى إذا أطاع أحد الأبوين ما فعله الاخر