اسم الکتاب : التفسير الحديث المؤلف : دروزة، محمد عزة الجزء : 1 صفحة : 57
توجيهاته النصوص والتلقينات والمبادئ القرآنية.
نقول هذا ونحن نعرف أن القائلين يذكرون فيما يذكرون على سبيل التدليل ما كان من تبدل موقف القرآن والنبي من اليهود قولا وفعلا، ومن الدعوة إلى قتال المشركين كافة ومطلقا وعدم قبول غير الإسلام منهم، ومن الأمر بقتال الكتابيين عامة حتى يسلموا أو يعطوا الجزية، وما وهموه من مناقضة بين هذا وبين الحرية الدينية التي قررها القرآن المكي، ومن اقتران الدعوة إلى الجهاد بالإغراء بالغنائم، ومن ظهور النبي في مظهر ذي السلطان السياسي والحربي والقضائي والمالي والتشريعي، وما وهموه من مناقضة بين هذا وبين مهمة «النبي» وما قرره القرآن المكي من أنه لا يطلب أجرا وليس هو مسيطرا على الناس ولا جبارا ولا وكيلا ولا مسؤولا، وليس هو إلا نذيرا وبشيرا وداعيا إلى الحق فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه ومن ضلّ فإنما يضلّ عليها، ومن القائلين من ضاق أفقه ونظره وخلط مع هذا زوجات النبي وحياته الخاصة أيضا.
غير أن إنعام النظر مع الإنصاف والإحاطة يظهر الحقيقة ساطعة وهي أن ما كان من تطور في السيرة النبوية المدنية وفي المرامي القرآنية المدنية ليس هو تطورا في معنى الانحراف عن الأصل المكي سيرة وقرآنا وإنما هو في حدود هذا الأصل ونطاقه. فالقرآن المكي وإن كان دعا إلى ما دعا إليه ونهى عن ما نهى عنه بأسلوب الحثّ والتحريض والترغيب والترهيب والتحسين والتقبيح والتقرير والتبليغ فإنه انطوى على نواة الأمر والنهي والتشريع أيضا كما نرى في الآيات التالية مثلا:
1- قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلَّا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَلا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَإِيَّاهُمْ وَلا تَقْرَبُوا الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَما بَطَنَ وَلا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ ذلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (151) وَلا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتَّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزانَ بِالْقِسْطِ لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها وَإِذا قُلْتُمْ فَاعْدِلُوا وَلَوْ
اسم الکتاب : التفسير الحديث المؤلف : دروزة، محمد عزة الجزء : 1 صفحة : 57