responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 5  صفحة : 99
يَظُنُّ أَنَّ اللَّهَ لَمْ يُحَرِّمْ شَيْئًا إِلَّا مَا فِي هَذَا الْقُرْآنِ أَلَا وَإِنِّي وَاللَّهِ قَدْ أَمَرْتُ وَوَعَظْتُ وَنَهَيْتُ عَنْ أَشْيَاءَ إِنَّهَا لَمِثْلُ الْقُرْآنِ أَوْ أَكْثَرُ» ، وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ الْمِقْدَامِ
. وَعَرْضُ الْحَوَادِثِ عَلَى مِقْيَاسِ تَصَرُّفَاتِهِ والصريح من سنّته.
وَالتَّنَازُعُ: شِدَّةُ الِاخْتِلَافِ، وَهُوَ تَفَاعُلٌ مِنَ النَّزْعِ، أَيِ الْأَخْذِ، قَالَ الْأَعْشَى:
نَازَعْتُهُمْ قُضْبَ الرَّيْحَانِ مُتَّكِئًا ... وَقَهْوَةً مُزَّةً رَاوُوقُهَا خَضِلُ
فَأَطْلَقَ التَّنَازُعَ عَلَى الِاخْتِلَافِ الشَّدِيدِ عَلَى طَرِيقِ الِاسْتِعَارَةِ، لِأَنَّ الِاخْتِلَافَ الشَّدِيدَ يُشْبِهُ التَّجَاذُبَ بَيْنَ شَخْصَيْنِ، وَغَلَبَ ذَلِكَ حَتَّى سَاوَى الْحَقِيقَةَ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: وَلا تَنازَعُوا فَتَفْشَلُوا [الْأَنْفَال: 46] فَتَنازَعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ وَأَسَرُّوا النَّجْوى [طه: 62] .
وَضَمِيرُ تَنازَعْتُمْ رَاجِعٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا فَيَشْمَلُ كُلَّ مَنْ يُمْكِنُ بَيْنَهُمُ التَّنَازُعُ، وَهُمْ مَنْ عَدَا الرَّسُولَ، إِذْ لَا يُنَازِعُهُ الْمُؤْمِنُونَ، فَشَمَلَ تَنَازُعَ الْعُمُومِ بَعْضِهِمْ مَعَ بَعْضٍ، وَشَمَلَ تَنَازُعَ وُلَاةِ الْأُمُورِ بَعْضِهِمْ مَعَ بَعْضٍ، كَتَنَازُعِ الْوُزَرَاءِ مَعَ الْأَمِيرِ أَوْ بَعْضِهِمْ مَعَ بَعْضٍ، وَشَمَلَ تَنَازُعَ الرَّعِيَّةِ مَعَ وُلَاةِ أُمُورِهِمْ، وَشَمَلَ تَنَازُعَ الْعُلَمَاءِ بَعْضِهِمْ مَعَ بعض فِي شؤون عِلْمِ الدِّينِ. وَإِذَا نَظَرْنَا إِلَى مَا ذُكِرَ فِي سَبَبِ النُّزُولِ نَجِدُ الْمُرَادَ ابْتِدَاءً هُوَ الْخِلَافُ بَيْنَ الْأُمَرَاءِ وَالْأُمَّةِ، وَلِذَلِكَ نَجِدُ الْمُفَسِّرِينَ قَدْ فَسَّرُوهُ بِبَعْضِ صُوَرٍ مِنْ هَذِهِ الصُّوَرِ، فَلَيْسَ مَقْصِدُهُمْ قَصْرَ الْآيَةِ عَلَى مَا فَسَّرُوا بِهِ، وَأَحْسَنُ عِبَارَاتِهِمْ فِي هَذَا قَوْلُ الطَّبَرِيِّ: «يَعْنِي فَإِنِ اخْتَلَفْتُمْ أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ أَنْتُمْ فِيمَا بَيْنَكُمْ أَوْ أَنْتُمْ وَأُولُو أَمْرِكُمْ فِيهِ» . وَعَنْ مُجَاهِدٍ: فَإِنْ تَنَازَعَ الْعُلَمَاءُ رَدُّوهُ إِلَى اللَّهِ» .
وَلَفْظُ (شَيْءٍ) نَكِرَةٌ مُتَوَغِّلَةٌ فِي الْإِبْهَامِ فَهُوَ فِي حَيِّزِ الشَّرْطِ يُفِيدُ الْعُمُومَ، أَيْ فِي كُلِّ شَيْءٍ، فَيَصْدُقُ بِالتَّنَازُعِ فِي الْخُصُومَةِ عَلَى الْحُقُوقِ، وَيَصْدُقُ بِالتَّنَازُعِ فِي اخْتِلَافِ الْآرَاءِ عِنْدَ الْمُشَاوَرَةِ أَوْ عِنْدَ مُبَاشَرَةِ عَمَلٍ مَا، كَتَنَازُعِ وُلَاةِ الْأُمُورِ فِي إِجْرَاءِ أَحْوَالِ الْأُمَّةِ. وَلَقَدْ حَسَّنَ مَوْقِعَ كَلِمَةِ (شَيْءٍ) هُنَا تَعْمِيمُ الْحَوَادِثِ وَأَنْوَاعِ الِاخْتِلَافِ، فَكَانَ مِنَ الْمَوَاقِعِ الرَّشِيقَةِ فِي تَقْسِيمِ عَبْدِ الْقَاهِرِ، وَقَدْ تَقَدَّمَ تَحْقِيقُ مَوَاقِعِ لَفْظِ شَيْءٍ عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَالْجُوعِ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ

اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 5  صفحة : 99
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست