responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 5  صفحة : 79
وَقَوْلُهُ: مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ وُجُوهاً تَهْدِيدٌ أَوْ وَعِيدٌ، وَمَعْنَى: مِنْ قَبْلِ أَنْ نَطْمِسَ أَيْ آمِنُوا فِي زمن يبتدىء مِنْ قَبْلِ الطَّمْسِ، أَيْ مِنْ قَبْلِ زَمَنِ الطَّمْسِ عَلَى الْوُجُوهِ، وَهَذَا تَهْدِيدٌ بِأَنْ يَحِلَّ بِهِمْ أَمْرٌ عَظِيمٌ، وَهُوَ يَحْتَمِلُ الْحَمْلَ عَلَى حَقِيقَةِ الطَّمْسِ بِأَنْ يُسَلِّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مَا يُفْسِدُ بِهِ مُحَيَّاهُمْ فَإِنَّ قُدْرَةَ اللَّهِ صَالِحَةٌ لِذَلِكَ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الطَّمْسُ مَجَازًا عَلَى إِزَالَةِ مَا بِهِ كَمَالُ الْإِنْسَانِ مِنِ اسْتِقَامَةِ الْمَدَارِكِ فَإِنَّ الْوُجُوهَ مَجَامِعُ الْحَوَاسِّ.
وَالتَّهْدِيدُ لَا يَقْتَضِي وُقُوعَ الْمُهَدَّدِ بِهِ،
وَفِي الْحَدِيثِ «أَمَا يَخْشَى الَّذِي يَرْفَعُ رَأْسَهُ قَبْلَ الْإِمَامِ أَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ وَجْهَهُ وَجْهَ حِمَارٍ»
. وَأَصْلُ الطَّمْسِ إِزَالَةُ الْآثَارِ الْمَاثِلَةِ. قَالَ كَعْبٌ:
عُرْضَتُهَا طَامِسُ الْأَعْلَامِ مَجْهُولُ وَقَدْ يُطْلَقُ الطَّمْسُ مَجَازًا عَلَى إِبْطَالِ خَصَائِصِ الشَّيْءِ الْمَأْلُوفَةِ مِنْهُ. وَمِنْهُ طَمْسُ الْقُلُوبِ أَيْ إِبْطَالُ آثَارِ التَّمَيُّزِ وَالْمَعْرِفَةِ مِنْهَا.
وَقَوْلُهُ: فَنَرُدَّها عَلى أَدْبارِها عَطْفٌ لِمُجَرَّدِ التَّعْقِيبِ لَا لِلتَّسَبُّبِ أَيْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَحْصُلَ الْأَمْرَانِ: الطَّمْسُ وَالرَّدُّ عَلَى الْأَدْبَارِ، أَيْ تَنْكِيسُ الرُّؤُوسِ إِلَى الْوَرَاءِ، وَإِنْ كَانَ الطَّمْسُ هُنَا مَجَازًا وَهُوَ الظَّاهِرُ، فَهُوَ وَعِيدٌ بِزَوَالِ وَجَاهَةِ الْيَهُودِ فِي بِلَادِ الْعَرَبِ، وَرَمْيِهِمْ بِالْمَذَلَّةِ بَعْدَ أَنْ كَانُوا هُنَاكَ أَعِزَّةً ذَوِي مَالٍ وَعُدَّةٍ، فَقَدْ كَانَ مِنْهُمُ السَّمَوْأَلُ قَبْلَ الْبَعْثَةِ، وَمِنْهُمْ أَبُو رَافِعٍ تَاجِرُ أَهْلِ الْحِجَازِ، وَمِنْهُمْ كَعْبُ بْنُ الْأَشْرَفِ، سَيِّدُ جِهَتِهِ فِي عَصْرِ الْهِجْرَةِ.
وَالرَّدُّ عَلَى الْأَدْبَارِ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ: يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَجَازًا بِمَعْنَى الْقَهْقَرَى، أَيْ إِصَارَتُهُمْ إِلَى بِئْسَ الْمَصِيرِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ حَقِيقَة وَهُوَ ردّ هم مِنْ حَيْثُ أَتَوْا، أَيْ
إِجْلَاؤُهُمْ مِنْ بِلَادِ الْعَرَبِ إِلَى الشَّامِ.
وَالْفَاءُ عَلَى هَذَا الْوَجْهِ لِلتَّعْقِيبِ وَالتَّسَبُّبِ مَعًا، وَالْكَلَامُ وَعِيدٌ، وَالْوَعِيدُ حَاصِلٌ، فَقَدْ رَمَاهُمُ اللَّهُ بِالذُّلِّ، ثُمَّ أَجْلَاهُمُ النَّبِيءُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَجْلَاهُمْ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ إِلَى أَذَرِعَاتَ.

اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 5  صفحة : 79
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست