responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 5  صفحة : 7
عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَدْ كَانَ بَعْضُ الْمُسْلِمِينَ فِي الزَّمَنِ الْأَوَّلِ يَتَوَهَّمُ أَنَّ أَمَةَ الرَّجُلِ إِذَا زَوَّجَهَا مِنْ زَوْجٍ لَا يَحْرُمُ عَلَى السَّيِّدِ قُرْبَانُهَا، مَعَ كَوْنِهَا ذَاتَ زَوْجٍ. وَقَدْ رَأَيْتُ مَنْقُولًا عَنْ مَالِكٍ: أَنَّ رَجُلًا مِنْ ثَقِيفٍ كَانَ فَعَلَ ذَلِكَ فِي زَمَانِ عُمَرَ، وَأَنَّ عُمَرَ سَأَلَهُ عَنْ أَمَتِهِ الَّتِي زَوَّجَهَا وَهَلْ يَطَؤُهَا، فَأَنْكَرَ، فَقَالَ لَهُ: لَوِ اعْتَرَفْتَ لَجَعَلْتُكَ نَكَالًا.
وَقَوْلُهُ: كِتابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ تَذْيِيلٌ، وَهُوَ تَحْرِيضٌ عَلَى وُجُوبِ الْوُقُوفِ عِنْدَ كِتَابِ اللَّهِ، فَ عَلَيْكُمْ نَائِبٌ مَنَابَ (الْزَمُوا) ، وَهُوَ مُصَيَّرٌ بِمَعْنَى اسْمِ الْفِعْلِ، وَذَلِكَ كَثِيرٌ فِي الظُّرُوفِ وَالْمَجْرُورَاتِ الْمُنَزَّلَةِ مَنْزِلَةَ أَسْمَاءِ الْأَفْعَالِ بِالْقَرِينَةِ، كَقَوْلِهِمْ: إِلَيْكَ، وَدُونَكَ، وَعَلَيْكَ. وكِتابَ اللَّهِ مَفْعُولُهُ مُقَدَّمٌ عَلَيْهِ عِنْدَ الْكُوفِيِّينَ، أَوْ يُجْعَلُ مَنْصُوبًا بِ (عَلَيْكُمْ) مَحْذُوفًا دَلَّ عَلَيْهِ الْمَذْكُورُ بَعْدَهُ، عَلَى أَنَّهُ تَأْكِيدٌ لَهُ، تَخْرِيجًا عَلَى تَأْوِيلِ سِيبَوَيْهِ فِي قَول الراجز:
يَا أيّها الْمَائِحُ دَلْوِي دُونَكَ ... إِنِّي رَأَيْتُ النَّاسَ يَحْمَدُونَكَ
وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ كِتابَ مَصْدَرًا نَائِبًا مَنَابَ فِعْلِهِ، أَيْ كَتَبَ اللَّهُ ذَلِكَ كِتَابًا، وعَلَيْكُمْ مُتَعَلِّقًا بِهِ.
وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَراءَ ذلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ.
عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ [النِّسَاء: 23] وَمَا بَعْدَهُ، وَبِذَلِكَ تَلْتَئِمُ
الْجُمَلُ الثَّلَاثُ فِي الْخَبَرِيَّةِ الْمُرَادِ بِهَا الْإِنْشَاءُ، وَفِي الْفِعْلِيَّةِ وَالْمَاضَوِيَّةِ.
وَقَرَأَ الْجُمْهُورُ: وَأُحِلَّ لَكُمْ بِالْبِنَاءِ لِلْفَاعِلِ، وَالضَّمِيرُ الْمُسْتَتِرُ عَائِدٌ إِلَى اسْمِ الْجَلَالَةِ مِنْ قَوْلِهِ: كِتابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ.
وَأُسْنِدَ التَّحْلِيلُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى إِظْهَارًا لِلْمِنَّةِ، وَلِذَلِكَ خَالَفَ طَرِيقَةَ إِسْنَادِ التَّحْرِيمِ إِلَى الْمَجْهُولِ فِي قَوْلِهِ: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ لِأَنَّ التَّحْرِيمَ مَشَقَّةٌ فَلَيْسَ الْمَقَامُ فِيهِ مَقَامَ مِنَّةٍ.
وَقَرَأَ حَمْزَةُ، وَالْكِسَائِيُّ، وَحَفْصٌ عَنْ عَاصِمٍ، وَأَبُو جَعْفَرٍ: وَأُحِلَّ- بِضَمِّ الْهَمْزَةِ وَكَسْرِ الْحَاءِ- عَلَى الْبِنَاءِ لِلنَّائِبِ عَلَى طَرِيقَةِ حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ.

اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 5  صفحة : 7
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست