responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 5  صفحة : 61
وَالْقُرْبُ هُنَا مُسْتَعْمَلٌ فِي مَعْنَاهُ الْمَجَازِيِّ وَهُوَ التَّلَبُّسُ بِالْفِعْلِ، لِأَنَّ (قَرُبَ) حَقِيقَةٌ فِي الدُّنُوِّ مِنَ الْمَكَانِ أَوِ الذَّاتِ يُقَالُ: قَرُبَ مِنْهُ- بِضَمِّ الرَّاءِ- وَقَرِبَهُ- بِكَسْرِ الرَّاءِ- وَهُمَا بِمَعْنًى، وَمِنَ النَّاسِ مَنْ زَعَمَ أَنَّ مَكْسُورَ الرَّاءِ لِلْقُرْبِ الْمَجَازِيِّ خَاصَّةً، وَلَا يَصِحُّ.
وَإِنَّمَا اخْتِيرَ هَذَا الْفِعْلُ دُونَ لَا تُصَلُّوا وَنَحْوِهِ لِلْإِشَارَةِ إِلَى أَنَّ تِلْكَ حَالَةٌ مُنَافِيَةٌ لِلصَّلَاةِ، وَصَاحِبُهَا جَدِيرٌ بِالِابْتِعَادِ عَنْ أَفْضَلِ عَمَلٍ فِي الْإِسْلَامِ، وَمِنْ هُنَا كَانَتْ مُؤْذِنَةً بِتَغَيُّرِ شَأْنِ الْخَمْرِ، وَالتَّنْفِيرِ مِنْهَا، لِأَنَّ الْمُخَاطَبِينَ يَوْمَئِذٍ هُمْ أَكْمَلُ النَّاسِ إِيمَانًا وَأَعْلَقُهُمْ بِالصَّلَاةِ، فَلَا يَرْمُقُونَ شَيْئًا يَمْنَعُهُمْ مِنَ الصَّلَاةِ إِلَّا بِعَيْنِ الِاحْتِقَارِ. وَمِنَ الْمُفَسِّرِينَ مَنْ تَأَوَّلَ الصَّلَاةَ هُنَا بِالْمَسْجِدِ مِنْ إِطْلَاقِ اسْمِ الْحَالِ عَلَى الْمَحَلِّ كَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَصَلَواتٌ وَمَساجِدُ [الْحَج: 40] ، وَنُقِلَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَالْحَسَنِ قَالُوا: كَانَ جَمَاعَةٌ مِنَ
الصَّحَابَةِ يَشْرَبُونَ الْخَمْرَ ثُمَّ يَأْتُونَ الْمَسْجِدَ لِلصَّلَاةِ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ فَنَهَاهُمُ اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ وَلَا يَخْفَى بُعْدُهُ وَمُخَالَفَتُهُ لِمَشْهُورِ الْآثَارِ.
وَقَوْلُهُ: حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ غَايَةٌ لِلنَّهْيِ وَإِيمَاءٌ إِلَى عِلَّتِهِ، وَاكْتَفَى بِقَوْلِهِ (تَقُولُونَ) عَنْ تَفْعَلُونَ لِظُهُورِ أَنَّ ذَلِكَ الْحَدَّ مِنَ السُّكْرِ قَدْ يُفْضِي إِلَى اخْتِلَالِ أَعْمَالِ الصَّلَاةِ، إِذِ الْعَمَلُ يُسْرِعُ إِلَيْهِ الِاخْتِلَالُ بِاخْتِلَالِ الْعَقْلِ قَبْلَ اخْتِلَالِ الْقَوْلِ. وَفِي الْآيَةِ إِيذَانٌ بِأَنَّ السُّكْرَ الْخَفِيفَ لَا يَمْنَعُ الصَّلَاةَ يَوْمَئِذٍ أَوْ أُرِيدَ مِنَ الْغَايَةِ أَنَّهَا حَالَةُ انْتِهَاءِ السُّكْرِ فَتَبْقَى بَعْدَهَا النَّشْوَةُ. وَسُكَارَى جَمْعُ سَكْرَانٍ، وَالسَّكْرَانُ مَنْ أَخَذَ عَقْلُهُ فِي الِانْغِلَاقِ، مُشْتَقٌّ مِنَ السَّكْرِ، وَهُوَ الْغَلْقُ، وَمِنْهُ سَكْرُ الْحَوْضِ وَسَكْرُ الْبَابِ وسُكِّرَتْ أَبْصارُنا [الْحجر: 15] .
وَلَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ اجْتَنَبَ الْمُسْلِمُونَ شُرْبَ الْخَمْرِ فِي أَوْقَاتِ الصَّلَوَاتِ فَكَانُوا لَا يَشْرَبُونَ إِلَّا بَعْدَ صَلَاةِ الْعِشَاءِ وَبَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ، لِبُعْدِ مَا بَيْنَ هَاتَيْنِ الصَّلَاتَيْنِ وَبَيْنَ مَا تَلِيَانِهِمَا، ثُمَّ أُكْمِلَ مَعَ تَحْرِيمِ قُرْبَانِ الصَّلَاةِ فِي حَالَةِ السُّكْرِ تَحْرِيمُ قُرْبَانِهَا بِدُونِ طَهَارَةٍ.

اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 5  صفحة : 61
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست