responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 5  صفحة : 51
يُؤْمِنُ وَاللَّهِ لَا يُؤْمِنُ وَاللَّهِ لَا يُؤْمِنُ» . قِيلَ:
«وَمن يَا رَسُولَ اللَّهِ» قَالَ: «مَنْ لَا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ»
وَفِيهِ عَنْ عَائِشَةَ، قُلْتُ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لِي جَارَيْنِ فَإِلَى أَيِّهِمَا أُهْدِي» قَالَ إِلَى أَقْرَبِهِمَا مِنْكِ بَابًا»
وَفِي «صَحِيحِ مُسْلِمٍ» : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِأَبِي ذَرٍّ «إِذَا طَبَخْتَ مَرَقَةً فَأَكْثِرْ مَاءَهَا وَتَعَاهَدْهُ جِيرَانَكَ»
. وَاخْتُلِفَ فِي حَدِّ الْجِوَارِ: فَقَالَ ابْنُ شِهَابٍ، وَالْأَوْزَاعِيُّ: أَرْبَعُونَ دَارًا مِنْ كُلِّ نَاحِيَةٍ، وَرُوِيَ فِي ذَلِكَ حَدِيثٌ: وَلَيْسَ عَنْ مَالِكٍ فِي ذَلِكَ حَدٌّ، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ مَوْكُولٌ إِلَى مَا تَعَارَفَهُ النَّاسُ.
وَقَوْلُهُ: وَالصَّاحِبِ بِالْجَنْبِ هُوَ الْمُصَاحِبُ الْمُلَازِمُ لِلْمَكَانِ، فَمِنْهُ الضَّيْفُ، وَمِنْهُ الرَّفِيقُ فِي السَّفَرِ، وَكُلُّ مَنْ هُوَ مُلِمٌّ بِكَ لِطَلَبِ أَنْ تَنْفَعَهُ، وَقِيلَ: أَرَادَ الزَّوْجَةَ.
وَابْنِ السَّبِيلِ هُوَ الْغَرِيبُ الْمُجْتَازُ بِقَوْمٍ غَيْرِ نَاوٍ الْإِقَامَةَ، لِأَنَّ مَنْ أَقَامَ فَهُوَ الْجَارُ الْجُنُبُ. وَكَلِمَةُ (ابْنٍ) فِيهِ مُسْتَعْمَلَةٌ فِي مَعْنَى الِانْتِسَابِ وَالِاخْتِصَاصِ، كَقَوْلِهِمْ: أَبُو اللَّيْلِ،
وَقَوْلِهِمْ فِي الْمَثَلِ: أَبُوهَا وَكِيَّالُهَا. وَالسَّبِيلُ: الطَّرِيقُ السَّابِلَةُ، فَابْنُ السَّبِيلِ هُوَ الَّذِي لَازَمَ الطَّرِيقَ سَائِرًا، أَيْ مُسَافِرًا، فَإِذَا دَخَلَ الْقَبِيلَةَ فَهُوَ لَيْسَ مِنْ أَبْنَائِهَا، فَعَرَّفُوهُ بِأَنَّهُ ابْنُ الطَّرِيقِ، رَمَى بِهِ الطَّرِيقُ إِلَيْهِمْ، فَكَأَنَّهُ وَلَدُهُ. وَالْوِصَايَةُ بِهِ لِأَنَّهُ ضَعِيفُ الْحِيلَةِ، قَلِيلُ النَّصِيرِ، إِذْ لَا يَهْتَدِي إِلَى أَحْوَالِ قَوْمٍ غَيْرِ قَوْمِهِ، وَبَلَدٍ غَيْرِ بَلَدِهِ.
وَكَذَلِكَ مَا مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ لِأَنَّ الْعَبِيدَ فِي ضَعْفِ الرِّقِّ وَالْحَاجَةِ وَانْقِطَاعِ سُبُلِ الْخَلَاصِ مِنْ سَادَتِهِمْ، فَلِذَلِكَ كَانُوا أَحِقَّاءَ بِالْوِصَايَةِ.
وَجُمْلَةُ: إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كانَ مُخْتالًا فَخُوراً تَذْيِيلٌ لِجُمْلَةِ الْأَمْرِ بِالْإِحْسَانِ إِلَى مَنْ سَمَّاهُمْ بِذَمِّ مَوَانِعِ الْإِحْسَانِ إِلَيْهِمُ الْغَالِبَةِ عَلَى الْبَشَرِ. وَالِاخْتِيَالُ: التَّكَبُّرُ، افْتِعَالٌ مُشْتَقٌّ مِنَ الْخُيَلَاءِ، يُقَالُ: خَالَ الرَّجُلُ خَوْلًا وَخَالًا. وَالْفَخُورُ: الشَّدِيدُ الْفَخْرِ بِمَا فَعَلَ، وَكِلَا الْوَصْفَيْنِ مَنْشَأٌ لِلْغِلْظَةِ وَالْجَفَاءِ، فَهُمَا يُنَافِيَانِ الْإِحْسَانَ الْمَأْمُورَ بِهِ، لِأَنَّ الْمُرَادَ الْإِحْسَانُ فِي الْمُعَامَلَةِ وَتَرْكُ التَّرَفُّعِ عَلَى مَنْ يُظَنُّ بِهِ سَبَبٌ يَمْنَعُهُ مِنَ الِانْتِقَامِ.
وَمَعْنَى نَفْيِ مَحَبَّةِ اللَّهِ تَعَالَى نَفْيُ رِضَاهُ وَتَقْرِيبِهِ عَمَّنْ هَذَا وَصْفُهُ، وَهَذَا تَعْرِيضٌ بِأَخْلَاقِ أَهْلِ الشِّرْكِ، لِمَا عُرِفُوا بِهِ من الغلطة وَالْجَفَاءِ، فَهُوَ فِي مَعْنَى التَّحْذِيرِ مِنْ بَقَايَا الْأَخْلَاقِ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا.

اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 5  صفحة : 51
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست