responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 5  صفحة : 29
وَقَدْ أَبْدَى الْقَفَّالُ مُنَاسَبَةً لِلْعَطْفِ تَنْدَرِجُ فِيمَا ذَكَرْتُهُ. وَفِي «سُنَنِ التِّرْمِذِيِّ» عَنْ مُجَاهِدٍ، عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّهَا قَالَتْ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ يَغْزُو الرِّجَالُ وَلَا يَغْزُو النِّسَاءُ، وَإِنَّمَا لَنَا نِصْفُ الْمِيرَاثِ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ» . قَالَ التِّرْمِذِيُّ: هَذَا حَدِيثٌ مُرْسَلٌ. قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: وَرِوَايَاتُهُ كُلُّهَا حِسَانٌ لَمْ تَبْلُغْ دَرَجَةَ الصِّحَّةِ. قُلْتُ: لَمَّا كَانَ مُرْسَلًا يَكُونُ قَوْلُهُ: فَأَنْزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَمَنَّوْا إِلَخْ. مِنْ كَلَامِ مُجَاهِدٍ، وَمَعْنَاهُ أَنَّ نُزُولَ هَذِهِ الْآيَةِ كَانَ قَرِيبًا مِنْ زَمَنِ قَوْلِ أُمِّ سَلَمَةَ، فَكَانَ فِي عُمُومِهَا مَا يَرُدُّ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ وَغَيْرِهَا.
وَقَدْ رُوِيَتْ آثَارٌ: بَعْضُهَا فِي أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي تَمَنِّي النِّسَاءِ الْجِهَادَ وَبَعْضُهَا فِي أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي قَوْلِ امْرَأَةٍ «إِنَّ لِلذَّكَرِ مِثْلَ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ وَشَهَادَةَ امْرَأَتَيْنِ بِرَجُلٍ أَفَنَحْنُ فِي الْعَمَلِ كَذَلِكَ» وَبَعْضُهَا فِي أَنَّ رِجَالًا قَالُوا: إِنَّ ثَوَابَ أَعْمَالِنَا عَلَى الضِّعْفِ مِنْ ثَوَابِ النِّسَاءِ وَبَعْضُهَا فِي أَنَّ النِّسَاءَ سَأَلْنَ أَجْرَ الشَّهَادَةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقُلْنَ لَوْ كُتِبَ عَلَيْنَا الْقِتَالُ لَقَاتَلْنَا. وَكُلُّ ذَلِكَ جُزْئِيَّاتٌ وَأَمْثِلَةٌ مِمَّا شَمِلَهُ عُمُومُ مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ.
وَالتَّمَنِّي هُوَ طَلَبُ حُصُولِ مَا يَعْسُرُ حُصُولُهُ لِلطَّالِبِ. وَذَلِكَ لَهُ أَحْوَالٌ مِنْهَا أَنْ يَتَمَنَّى مَا هُوَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ غَيْرَ مُلْتَفِتٍ فِيهِ إِلَى شَيْءٍ فِي يَدِ الْغَيْرِ، وَلَا مَانِعَ يَمْنَعُهُ مِنْ شَرْعٍ أَوْ عَادَةٍ، سَوَاءٌ كَانَ مُمْكِنَ الْحُصُولِ كَتَمَنِّي الشَّهَادَةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أَمْ كَانَ غَيْرَ مُمْكِنِ الْحُصُولِ
كَقَوْلِ النَّبِيءِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «وَلَوَدِدْتُ أَنِّي أُقْتَلُ فِي سَبِيلِ الله ثمَّ أحيى ثُمَّ أقتل ثمَّ أحيى ثُمَّ أُقْتَلُ» .
وَقَوْلِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ «لَيْتَنَا نَرَى إِخْوَانَنَا»
يَعْنِي الْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ يَجِيئُونَ بَعْدَهُ.
وَمِنْهَا أَنْ يَتَمَنَّى مَا لَا يُمْكِنُ حُصُولُهُ لِمَانِعٍ عَادِيٍّ أَوْ شَرْعِيٍّ، كَتَمَنِّي أُمِّ سَلَمَةَ أَنْ يَغْزُوَ النِّسَاءُ كَمَا يَغْزُو الرِّجَالُ، وَأَنْ تَكُونَ الْمَرْأَةُ مُسَاوِيَةَ الرَّجُلِ فِي الْمِيرَاثِ وَمِنْهَا أَنْ يَتَمَنَّى تَمَنِّيًا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ الرِّضَا بِمَا سَاقَهُ اللَّهُ وَالضَّجَرِ مِنْهُ، أَوْ عَلَى الِاضْطِرَابِ وَالِانْزِعَاجِ، أَوْ عَلَى عَدَمِ الرِّضَا بِالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ.
وَمِنْهَا أَنْ يَتَمَنَّى نِعْمَةً تُمَاثِلُ نِعْمَةً فِي يَدِ الْغَيْرِ مَعَ إِمْكَانِ حُصُولِهَا لِلْمُتَمَنِّي بِدُونِ أَنْ تُسْلَبَ مِنَ الَّتِي هِيَ فِي يَدِهِ كَتَمَنِّي عِلْمٍ مِثْلِ عِلْمِ الْمُجْتَهِدِ أَوْ مَالٍ مِثْلِ مَالِ قَارُونَ.

اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 5  صفحة : 29
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست