responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 5  صفحة : 25
بِخِلَافِ قَتْلِ النَّفْسِ، فَإِنَّ تَبِعَاتِهِ لَا يَسْلَمُ مِنْهَا أَحَدٌ، وَإِنْ بَلَغَ مِنَ الشَّجَاعَةِ وَالْعِزَّةِ فِي قَوْمِهِ كُلَّ مَبْلَغٍ، وَلَا أَمْنَعَ مِنْ كُلَيْبِ وَائِلٍ، لِأَنَّ الْقَبَائِلَ مَا كَانَتْ تُهْدِرُ دِمَاءَ قَتْلَاهَا.
وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً (29) وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ عُدْواناً وَظُلْماً فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا وَكانَ ذلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيراً (30) .
قَوْلُهُ: وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ نَهْيٌ عَنْ أَنْ يَقْتُلَ الرَّجُلُ غَيْرَهُ، فَالضَّمِيرَانِ فِيهِ عَلَى التَّوْزِيعِ، إِذْ قَدْ عُلِمَ أَنَّ أَحَدًا لَا يَقْتُلُ نَفْسَهُ فَيُنْهَى عَنْ ذَلِكَ، وَقَتْلُ الرَّجُلِ نَفْسَهُ دَاخِلٌ فِي النَّهْيِ، لِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يُبِحْ لِلْإِنْسَانِ إِتْلَافَ نَفْسِهِ كَمَا أَبَاحَ لَهُ صَرْفَ مَالِهِ، أَمَّا أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ هُنَا خُصُوصَ النَّهْيِ عَنْ قَتْلِ الْمَرْءِ نَفْسَهُ فَلَا. وَأَمَّا مَا
فِي «مُسْنَدِ أَبِي دَاوُدَ» : أَنَّ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ تَيَمَّمَ فِي يَوْمٍ شَدِيدِ الْبَرْدِ وَلَمْ يَغْتَسِلْ، وَذَلِكَ فِي غَزْوَةِ ذَاتِ السَّلَاسِلِ وَصَلَّى بِالنَّاسِ، وَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ، فَسَأَلَهُ وَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَقُولُ: وَلا
تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ
، فَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ النَّبِيءُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
فَذَلِكَ مِنَ الِاحْتِجَاجِ بِعُمُومِ ضَمِيرِ (تَقْتُلُوا) دُونَ خُصُوصِ السَّبَبِ.
وَقَوْلُهُ: وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ أَيِ الْمَذْكُورَ: مِنْ أَكْلِ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ وَالْقَتْلِ: وَقِيلَ:
الْإِشَارَةُ إِلَى مَا ذُكِرَ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً [النِّسَاءَ: 19] لِأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ لَمْ يَرِدْ بَعْدَهُ وَعِيدٌ، وَوَرَدَ وَعِيدٌ قَبْلَهُ، قَالَهُ الطَّبَرِيُّ. وَإِنَّمَا قَيَّدَهُ بِالْعُدْوَانِ وَالظُّلْمِ لِيَخْرُجَ أَكْلُ الْمَالِ بِوَجْهِ الْحَقِّ، وَقَتْلُ النَّفْسِ كَذَلِكَ، كَقَتْلِ الْقَاتِلِ،
وَفِي الْحَدِيثِ: «فَإِذَا قَالُوهَا عَصَمُوا مِنِّي دِمَاءَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ إِلَّا بِحَقِّهَا»
. وَالْعُدْوَانُ- بِضَمِّ الْعَيْنِ- مَصْدَرٌ بِوَزْنِ كُفْرَانٍ، وَيُقَالُ- بِكَسْرِ الْعَيْنِ- وَهُوَ التَّسَلُّطُ بِشِدَّةٍ، فَقَدْ يَكُونُ بِظُلْمٍ غَالِبًا، وَيَكُونُ بِحَقٍّ، قَالَ تَعَالَى: فَلا عُدْوانَ إِلَّا عَلَى الظَّالِمِينَ [الْبَقَرَة: 193] وَعَطْفُ قَوْلِهِ: وَظُلْماً عَلَى عُدْواناً مِنْ عَطْفِ الْخَاصِّ عَلَى الْعَامِّ.
وَ (سَوْفَ) حَرْفٌ يَدْخُلُ عَلَى الْمُضَارِعِ فَيُمَحِّضُهُ لِلزَّمَنِ الْمُسْتَقْبَلِ، وَهُوَ مُرَادِفٌ لِلسِّينِ عَلَى الْأَصَحِّ، وَقَالَ بَعْضُ النُّحَاةِ: (سَوْفَ) تَدُلُّ عَلَى مُسْتَقْبَلٍ بَعِيدٍ وَسَمَّاهُ: التَّسْوِيفَ، وَلَيْسَ فِي

اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 5  صفحة : 25
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست