responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 5  صفحة : 241
وَالْمُذَبْذَبُ اسْمُ مَفْعُولٍ مِنَ الذَّبْذَبَةِ. يُقَالُ: ذَبْذَبَهُ فَتَذَبْذَبَ. وَالذَّبْذَبَةُ: شِدَّةُ الِاضْطِرَابِ مِنْ خَوْفٍ أَوْ خَجَلٍ، قِيلَ: إِنَّ الذَّبْذَبَةَ مُشْتَقَّةٌ مِنْ تَكْرِيرِ ذَبَّ إِذَا طَرَدَ، لِأَنَّ الْمَطْرُودَ يُعَجِّلُ وَيَضْطَرِبُ، فَهُوَ مِنَ الْأَفْعَالِ الَّتِي أَفَادَتْ كَثْرَةَ الْمَصْدَرِ بِالتَّكْرِيرِ، مَثْلَ زَلْزَلَ وَلَمْلَمَ بِالْمَكَانِ وَصَلْصَلَ وَكَبْكَبَ، وَفِيهِ لُغَةٌ بِدَالَيْنِ مُهْمَلَتَيْنِ، وَهِيَ الَّتِي تَجْرِي فِي عَامِّيَّتِنَا الْيَوْمَ، يَقُولُونَ: رَجُلٌ مُدَبْدَبٌ، أَيْ يَفْعَلُ الْأَشْيَاءَ عَلَى غَيْرِ صَوَابٍ وَلَا تَوْفِيقٍ. فَقِيلَ: إِنَّهَا مُشْتَقَّةٌ مِنَ الدُّبَّةِ- بِضَمِّ الدَّالِ وَتَشْدِيدِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ- أَيِ الطَّرِيقَةِ بِمَعْنَى أَنَّهُ يَسْلُكُ مَرَّةً هَذَا الطَّرِيقَ وَمَرَّةً هَذَا الطَّرِيقَ.
وَالْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ: بَيْنَ ذلِكَ إِلَى مَا اسْتُفِيدَ من قَوْله: يُراؤُنَ النَّاسَ
لِأَنَّ الَّذِي يَقْصِدُ مِنْ فِعْلِهِ إِرْضَاءَ النَّاسِ لَا يَلْبَثُ أَنْ يَصِيرَ مُذَبْذَبًا، إِذْ يَجِدُ فِي النَّاسِ أَصْنَافًا مُتَبَايِنَةَ الْمَقَاصِدِ وَالشَّهَوَاتِ. وَيَجُوزُ جَعْلُ الْإِشَارَةِ رَاجِعَةً إِلَى شَيْءٍ غَيْرِ مَذْكُورٍ، وَلَكِنْ إِلَى مَا مِنْ شَأْنِهِ أَنْ يُشَارَ إِلَيْهِ، أَيْ مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ طَرَفَيْنِ كَالْإِيمَانِ وَالْكُفْرِ.
وَجُمْلَةُ لَا إِلى هؤُلاءِ وَلا إِلى هؤُلاءِ صِفَةٌ لِ مُذَبْذَبِينَ لِقَصْدِ الْكَشْفِ عَنْ مَعْنَاهُ لِمَا فِيهِ مِنْ خَفَاءِ الِاسْتِعَارَةِ، أَوْ هِيَ بَيَانٌ لِقَوْلِهِ: مُذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذلِكَ. وهؤُلاءِ أَحَدُهُمَا إِشَارَةٌ إِلَى الْمُؤْمِنِينَ، وَالْآخَرُ إِشَارَةٌ إِلَى الْكَافِرِينَ مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ، إِذْ لَيْسَ فِي الْمَقَامِ إِلَّا فَرِيقَانِ فَأَيُّهَا جَعَلْتَهُ مُشَارًا إِلَيْهِ بِأَحَدِ اسْمَيِ الْإِشَارَةِ صَحَّ ذَلِكَ، وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى «فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ» .
وَالتَّقْدِيرُ لَا هُمْ إِلَى الْمُسْلِمِينَ وَلَا هُمْ إِلَى الْكَافِرِينَ. وَ (إِلَى) مُتَعَلِّقَةٌ بِمَحْذُوفٍ دَلَّ عَلَيْهِ مَعْنَى الِانْتِهَاءِ، أَيْ لَا ذَاهِبِينَ إِلَى هَذَا الْفَرِيقِ وَلَا إِلَى الْفَرِيقِ الْآخَرِ، وَالذَّهَابُ الَّذِي دَلَّتْ عَلَيْهِ (إِلَى) ذَهَابٌ مَجَازِيٌّ وَهُوَ الِانْتِمَاءُ وَالِانْتِسَابُ، أَيْ هُمْ أَضَاعُوا النِّسْبَتَيْنِ فَلَا هُمْ مُسْلِمُونَ وَلَا هُمْ كَافِرُونَ ثَابِتُونَ، وَالْعَرَبُ تَأْتِي بِمِثْلِ هَذَا التَّرْكِيبِ الْمُشْتَمِلِ عَلَى (لَا) النَّافِيَةِ مُكَرَّرَةً فِي غَرَضَيْنِ: تَارَةً يَقْصِدُونَ بِهِ إِضَاعَةَ الْأَمْرَيْنِ، كَقَوْلِ إِحْدَى نِسَاءِ حَدِيثِ أُمِّ زَرْعٍ «لَا سَهْلٌ فَيُرْتَقَى وَلَا سَمِينٌ فَيُنْتَقَلُ» وَقَوْلِهِ تَعَالَى: فَلا صَدَّقَ وَلا صَلَّى [الْقِيَامَة: 31] لَا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَلا تَسْقِي الْحَرْثَ [الْبَقَرَة: 71] . وَتَارَةً يَقْصِدُونَ بِهِ إِثْبَاتَ حَالَةٍ وَسَطٍ بَيْنَ حَالَيْنِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى: لَا شَرْقِيَّةٍ وَلا غَرْبِيَّةٍ [النُّور: 35]- لَا فارِضٌ وَلا بِكْرٌ [الْمَائِدَة:
68] ، وَقَوْلِ زُهَيْرٍ:
فَلَا هُوَ أَخْفَاهَا وَلَمْ يَتَقَدَّمِ

اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 5  صفحة : 241
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست