responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 5  صفحة : 239
(143)
اسْتِئْنَافٌ ابْتِدَائِيٌّ، فِيهِ زِيَادَةُ بَيَانٍ لِمَسَاوِيهِمْ. وَالْمُنَاسَبَةُ ظَاهِرَةٌ. وَتَأْكِيدُ الْجُمْلَةِ بِحَرْفِ (إِنَّ) لِتَحْقِيقِ حَالَتِهِمُ الْعَجِيبَةِ وَتَحْقِيقِ مَا عَقَبَهَا مِنْ قَوْلِهِ: وَهُوَ خادِعُهُمْ.
وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى مَعْنَى مُخَادَعَةِ الْمُنَافِقِينَ اللَّهَ تَعَالَى فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [9] عِنْدَ قَوْلِهِ:
يُخادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا.
وَزَادَتْ هَذِهِ الْآيَةُ بِقَوْلِهِ: وَهُوَ خادِعُهُمْ
أَيْ فَقَابَلَهُمْ بِمِثْلِ صَنِيعِهِمْ، فَكَمَا كَانَ فِعْلُهُمْ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ الْمُتَّبِعِينَ أَمْرَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ خِدَاعًا لِلَّهِ تَعَالَى، كَانَ إِمْهَالُ اللَّهِ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا حَتَّى اطْمَأَنُّوا وَحَسِبُوا أَنَّ حِيلَتَهُمْ وَكَيْدَهُمْ رَاجَا عَلَى الْمُسْلِمِينَ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ نَاصِرَهُمْ، وَإِنْذَارُهُ الْمُؤْمِنِينَ بِكَيْدِهِمْ حَتَّى لَا تَنْطَلِيَ عَلَيْهِمْ حِيَلُهُمْ، وَتَقْدِيرُ أَخْذِهِ إِيَّاهُمْ بِأَخَرَةٍ، شَبِيهًا
بِفعل المخادع جُزْءا وِفَاقًا. فَإِطْلَاقُ الْخِدَاعِ عَلَى اسْتِدْرَاجِ اللَّهِ إِيَّاهُمُ اسْتِعَارَةٌ تَمْثِيلِيَّةٌ، وَحَسَّنَتْهَا الْمُشَاكَلَةُ لِأَنَّ الْمُشَاكَلَةَ لَا تَعْدُو أَنْ تَكُونَ اسْتِعَارَةَ لَفْظٍ لِغَيْرِ مَعْنَاهُ مَعَ مَزِيدِ مُنَاسَبَةٍ مَعَ لَفْظٍ آخَرَ مِثْلِ اللَّفْظِ الْمُسْتَعَارِ. فَالْمُشَاكَلَةُ ترجع إِلَى التلميح، أَيْ إِذَا لَمْ تَكُنْ لِإِطْلَاقِ اللَّفْظِ عَلَى الْمَعْنَى الْمُرَادِ عَلَاقَةٌ بَيْنَ مَعْنَى اللَّفْظِ وَالْمَعْنَى الْمُرَادِ إِلَّا مُحَاكَاةَ اللَّفْظِ، سُمِّيَتْ مُشَاكَلَةٌ كَقَوْلِ أَبِي الرَّقَعْمَقِ.
قَالُوا: اقْتَرِحْ شَيْئًا نُجِدْ لَكَ طَبْخَهُ ... قُلْتُ: أَطْبِخُوا لِي جُبَّةً وَقَمِيصَا
وَ «كُسَالَى» جَمْعُ كَسْلَانَ عَلَى وَزْنِ فُعَالَى، وَالْكَسْلَانُ الْمُتَّصِفُ بِالْكَسَلِ، وَهُوَ الْفُتُورُ فِي الْأَفْعَالِ لِسَآمَةٍ أَوْ كَرَاهِيَةٍ. وَالْكَسَلُ فِي الصَّلَاةِ مُؤْذِنٌ بِقِلَّةِ اكْتِرَاثِ الْمُصَلِّي بِهَا وَزُهْدِهِ فِي فِعْلِهَا، فَلِذَلِكَ كَانَ مِنْ شِيَمِ الْمُنَافِقِينَ. وَمِنْ أَجْلِ ذَلِكَ حَذَّرَتِ الشَّرِيعَةُ مِنْ تَجَاوُزِ حَدِّ النَّشَاطِ فِي الْعِبَادَةِ خَشْيَةَ السَّآمَةِ، فَفِي الْحَدِيثِ «عَلَيْكُمْ مِنَ الْأَعْمَالِ بِمَا تُطِيقُونَ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَمَلُّ حَتَّى تملّوا» . وَنهى على الصَّلَاةِ وَالْإِنْسَانُ يُرِيدُ حَاجَتَهُ، وَعَنِ الصَّلَاةِ عِنْدَ حُضُورِ الطَّعَامِ، كُلُّ ذَلِكَ لِيَكُونَ إِقْبَالُ الْمُؤْمِنِ عَلَى الصَّلَاةِ بِشَرَهٍ وَعَزْمٍ، لِأَنَّ

اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 5  صفحة : 239
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست