responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 5  صفحة : 215
وَهُنَا ذُكِرَ نُشُوزُ الْبَعْلِ. وَالْبَعْلُ زَوْجُ الْمَرْأَةِ. وَقَدْ تَقَدَّمَ وَجْهُ إِطْلَاقِ هَذَا الِاسْمِ عَلَيْهِ فِي قَوْلِهِ وَبُعُولَتُهُنَّ أَحَقُّ بِرَدِّهِنَّ فِي ذلِكَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ [228] .
وَصِيغَةُ فَلا جُناحَ مِنْ صِيَغِ الْإِبَاحَةِ ظَاهِرًا، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى الْإِذْنِ لِلزَّوْجَيْنِ فِي صُلْحٍ يَقَعُ بَيْنَهُمَا. وَقَدْ عُلِمَ أَنَّ الْإِبَاحَةَ لَا تُذْكَرُ إِلَّا حَيْثُ يُظَنُّ الْمَنْعُ، فَالْمَقْصُودُ الْإِذْنُ فِي صُلْحٍ يَكُونُ بِخُلْعٍ: أَيْ عِوَضٍ مَالِيٍّ تُعْطِيهِ الْمَرْأَةُ، أَوْ تَنَازُلٍ عَنْ بَعْضِ حُقُوقِهَا، فَيَكُونُ مَفَادُ هَذِهِ الْآيَةِ أَعَمَّ مِنْ مَفَادِ قَوْلِهِ تَعَالَى: وَلا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمَّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلَّا أَنْ يَخافا أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا يُقِيما حُدُودَ اللَّهِ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ [الْبَقَرَة: 229] ، فَسَمَّاهُ هُنَاكَ افْتِدَاءً، وَسَمَّاهُ هُنَا صُلْحًا. وَقَدْ شَاعَ فِي الِاسْتِعْمَالِ إِطْلَاقُ
الصُّلْحِ عَلَى التَّرَاضِي بَيْنَ الْخَصْمَيْنِ عَلَى إِسْقَاطِ بَعْضِ الْحَقِّ، وَهُوَ الْأَظْهَرُ هُنَا. وَاصْطَلَحَ الْفُقَهَاءُ مِنَ الْمَالِكِيَّةِ: عَلَى إِطْلَاقِ الِافْتِدَاءِ عَلَى اخْتِلَاعِ الْمَرْأَةِ مِنْ زَوْجِهَا بِمَالٍ تُعْطِيهِ، وَإِطْلَاقِ الْخُلْعِ عَلَى الِاخْتِلَاعِ بِإِسْقَاطِهَا عَنْهُ بَقِيَّةَ الصَّدَاقِ، أَوِ النَّفَقَةَ لَهَا، أَوْ لِأَوْلَادِهَا.
وَيُحْتَمَلُ أَنْ تكون صِيغَة فَلا جُناحَ مُسْتَعْمَلَةً فِي التَّحْرِيضِ عَلَى الصُّلْحِ، أَيْ إِصْلَاحِ أَمْرِهِمَا بِالصُّلْحِ وَحُسْنِ الْمُعَاشَرَةِ، فَنَفْيُ الْجُنَاحِ مِنَ الِاسْتِعَارَةِ التَّمْلِيحِيَّةِ شَبَّهَ حَالَ مَنْ تَرَكَ الصُّلْحَ وَاسْتَمَرَّ عَلَى النُّشُوزِ وَالْإِعْرَاضِ بِحَالِ مَنْ تَرَكَ الصُّلْحَ عَنْ عَمْدٍ لِظَنِّهِ أَنَّ فِي الصُّلْحِ جُنَاحًا. فَالْمُرَادُ الصُّلْحُ بِمَعْنَى إِصْلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ، وَالْأَشْهَرُ فِيهِ أَنْ يُقَالَ الْإِصْلَاحُ.
وَالْمَقْصُودُ الْأَمْرُ بِأَسْبَابِ الصُّلْحِ، وَهِيَ: الْإِغْضَاءُ عَنِ الْهَفَوَاتِ، وَمُقَابَلَةُ الْغِلْظَةِ بِاللِّينِ، وَهَذَا أَنْسَبُ وَأَلْيَقُ بِمَا يَرِدُ بَعْدَهُ مِنْ قَوْلِهِ: وَإِنْ يَتَفَرَّقا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ.
وَلِلنُّشُوزِ وَالْإِعْرَاضِ أَحْوَالٌ كَثِيرَةٌ: تَقْوَى وَتَضْعُفُ، وَتَخْتَلِفُ عَوَاقِبُهَا، بِاخْتِلَافِ أَحْوَالِ الْأَنْفُسِ، وَيَجْمَعُهَا قَوْلُهُ: خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً. وَلِلصُّلْحِ أَحْوَالٌ كَثِيرَةٌ: مِنْهَا الْمُخَالَعَةُ، فَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ مَا وَرَدَ مِنَ الْآثَارِ الدَّالَّةِ عَلَى حَوَادِثَ مِنْ هَذَا الْقَبِيلِ. فَفِي «صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ» ، عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: وَإِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً قَالَتْ: الرَّجُلُ يَكُونُ عِنْدَهُ الْمَرْأَةُ لَيْسَ بِمُسْتَكْثِرٍ مِنْهَا يُرِيدُ أَنْ يُفَارِقَهَا، فَتَقُولُ لَهُ أَجْعَلُكَ مِنْ شَأْنِي فِي حِلٍّ. فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ. وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ، بِسَنَدٍ حَسَنٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ سَوْدَةَ أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ وَهَبَتْ يَوْمَهَا لِعَائِشَةَ، وَفِي أَسْبَابِ النُّزُولِ لِلْوَاحِدِيِّ:

اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 5  صفحة : 215
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست