responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 5  صفحة : 21
فَإِذَا تَزُولُ تَزُولُ عَنْ مُتَخَمِّطٍ ... تُخْشَى بَوَادِرُهُ عَلَى الْأَقْرَانِ
وَقَوْلِهِ تَعَالَى: رَبَّنا هؤُلاءِ الَّذِينَ أَغْوَيْنا أَغْوَيْناهُمْ كَما غَوَيْنا [الْقَصَص: 63] وَالْمَقْصِدُ مِنَ التَّعَرُّضِ لِإِرَادَةِ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ تَنْبِيهُ الْمُسْلِمِينَ إِلَى دَخَائِلِ أَعْدَائِهِمْ، لِيَعْلَمُوا الْفَرْقَ بَيْنَ مُرَادِ اللَّهِ مِنَ الْخَلْقِ. وَمُرَادِ أَعْوَانِ الشَّيَاطِينِ، وَهُمُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ.
وَلِذَلِكَ قَدَّمَ الْمُسْنَدَ إِلَيْهِ عَلَى الْخَبَرِ الْفِعْلِيِّ فِي قَوْلِهِ: وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ لِيَدُلَّ عَلَى التَّخْصِيصِ الْإِضَافِيِّ. أَيِ اللَّهُ وَحْدَهُ هُوَ الَّذِي يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ، أَيْ يُحَرِّضَكُمْ عَلَى التَّوْبَةِ وَالْإِقْلَاعِ عَنِ الْمَعَاصِي، وَأَمَّا الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ فَيُرِيدُونَ انْصِرَافَكُمْ عَنِ الْحَقِّ، وَمَيْلَكُمْ عَنْهُ إِلَى الْمَعَاصِي. وَإِطْلَاقُ الْإِرَادَةِ عَلَى رَغْبَةِ أَصْحَابِ الشَّهَوَاتِ فِي مَيْلِ الْمُسْلِمِينَ عَنِ الْحَقِّ لِمُشَاكَلَةِ يُرِيدُ اللَّهُ لِيُبَيِّنَ لَكُمْ [النِّسَاء: 26] . وَالْمَقْصُودُ: وَيُحِبُّ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا. وَلَمَّا كَانَتْ رَغْبَتُهُمْ فِي مَيْلِ الْمُسْلِمِينَ عَنِ الْحَقِّ رَغْبَةً لَا تَخْلُو عَنْ سَعْيِهِمْ لِحُصُولِ ذَلِكَ، أَشْبَهَتْ رَغْبَتُهُمْ إِرَادَةَ الْمُرِيدِ لِلْفِعْلِ، وَنَظِيرُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى- بَعْدَ هَذِهِ الْآيَةِ- يَشْتَرُونَ الضَّلالَةَ وَيُرِيدُونَ أَنْ تَضِلُّوا السَّبِيلَ [النِّسَاء: 44] .
وَحُذِفَ مُتَعَلِّقُ تَمِيلُوا لِظُهُورِهِ مِنْ قَرِينَةِ الْمَقَامِ، وَأَرَادَ بِالَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ الَّذِينَ تَغْلِبُهُمْ شَهَوَاتُهُمْ عَلَى مُخَالَفَةِ مَا شَرَعَهُ اللَّهُ لَهُمْ: مِنَ الَّذِينَ لَا دِينَ لَهُمْ، وَهُمُ الَّذِينَ لَا يَنْظُرُونَ فِي عَوَاقِبِ الذُّنُوبِ وَمَفَاسِدِهَا وَعُقُوبَتِهَا، وَلَكِنَّهُمْ يُرْضُونَ شَهَوَاتِهِمُ الدَّاعِيَةَ إِلَيْهَا. وَفِي ذِكْرِ هَذِهِ الصِّلَةِ هُنَا تَشْنِيعٌ لِحَالِهِمْ، فَفِي الْمَوْصُولِ إِيمَاءٌ إِلَى تَعْلِيلِ الْخَبَرِ.
وَالْمُرَادُ بِهِمُ الْمُشْرِكُونَ: أَرَادُوا أَنْ يَتْبَعَهُمُ الْمُسْلِمُونَ فِي نِكَاحِ أَزْوَاجِ الْآبَاءِ، وَالْيَهُودُ أَرَادُوا أَنْ يَتْبَعُوهُمْ فِي نِكَاحِ الْأَخَوَاتِ مِنَ الْأَبِ وَنِكَاحِ الْعَمَّاتِ وَالْجَمْعِ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ. وَالْمِيلُ الْعَظِيمُ هُوَ الْبُعْدُ عَنْ أَحْكَامِ الشَّرْعِ وَالطَّعْنُ فِيهَا. فَكَانَ الْمُشْرِكُونَ يُحَبِّبُونَ لِلْمُسْلِمِينَ الزِّنَى وَيَعْرِضُونَ عَلَيْهِمُ الْبَغَايَا. وَكَانَ الْمَجُوسُ يَطْعَنُونَ فِي تَحْرِيمِ ابْنَةِ الْأَخِ وَابْنَةِ الْأُخْت وَيَقُولُونَ: لماذَا أَحَلَّ دِينُكُمُ ابْنَةَ الْعَمَّةِ وَابْنَةَ الْخَالَةِ. وَكَانَ الْيَهُودُ يَقُولُونَ: لَا تَحْرُمُ الْأُخْتُ الَّتِي لِلْأَبِ وَلَا تَحْرُمُ الْعَمَّةُ وَلَا الْخَالَةُ وَلَا الْعَمُّ وَلَا الْخَالُ. وَعَبَّرَ عَنْ جَمِيعِ ذَلِكَ بِالشَّهَوَاتِ لِأَنَّ مَجِيءَ الْإِسْلَامِ قَدْ بَيَّنَ انْتِهَاءَ إِبَاحَةِ مَا أُبِيحَ فِي الشَّرَائِعِ الْأُخْرَى، بَلْهَ مَا كَانَ حَرَامًا فِي الشَّرَائِعِ كُلِّهَا وَتَسَاهَلَ فِيهِ أهل الشّرك.

اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 5  صفحة : 21
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست