responsiveMenu
صيغة PDF شهادة الفهرست
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 5  صفحة : 205
فِي الْخَيَالِ، لِيَسْتَعِينَ بِذَلِكَ عَلَى تَهْوِينِ انْتِشَارِ الضَّلَالَاتِ بَيْنَهُمْ. يُقَالُ: مَنَّاهُ، إِذَا وَعَدَهُ الْمَوَاعِيدَ الْبَاطِلَةَ، وَأَطْمَعَهُ فِي وُقُوعِ مَا يُحِبُّهُ مِمَّا لَا يَقَعُ، قَالَ كَعْبٌ:
فَلَا يَغُرَّنَّكَ مَا مَنَّتْ وَمَا وَعَدَتْ وَمِنْهُ سُمِّيَ بِالتَّمَنِّي طَلَبُ مَا لَا طَمَعَ فِيهِ أَوْ مَا فِيهِ عُسْرٌ.
وَمَعْنَى: وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذانَ الْأَنْعامِ أَيْ آمُرَنَّهُمْ بِأَنْ يُبَتِّكُوا آذَانَ الْأَنْعَامِ فَلَيُبَتِّكُنَّهَا، أَيْ يَأْمُرُهُمْ فَيَجِدُهُمْ مُمْتَثِلِينَ، فَحُذِفَ مَفْعُولُ أَمَرَ اسْتِغْنَاءً عَنْهُ بِمَا رُتِّبَ عَلَيْهِ.
وَالتَّبْتِيكُ: الْقَطْعُ. قَالَ تَأَبَّطَ شَرًّا:
وَيَجْعَلُ عَيْنَيْهِ رَبِيئَةَ قَلْبِهِ ... إِلَى سَلَّةٍ مِنْ حَدِّ أَخْلَقَ بَاتِكِ
وَقَدْ ذَكَرَ هُنَا شَيْئًا مِمَّا يَأْمُرُ بِهِ الشَّيْطَانُ مِمَّا يَخُصُّ أَحْوَالَ الْعَرَبِ، إِذْ كَانُوا يَقْطَعُونَ آذَانَ الْأَنْعَامِ الَّتِي يَجْعَلُونَهَا لِطَوَاغِيتِهِمْ، عَلَامَةً عَلَى أَنَّهَا مُحَرَّرَةٌ لِلْأَصْنَامِ، فَكَانُوا يَشُقُّونَ آذَانَ الْبَحِيرَةِ وَالسَّائِبَةِ وَالْوَصِيلَةِ، فَكَانَ هَذَا الشَّقُّ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ، إِذْ كَانَ الْبَاعِثُ عَلَيْهِ غَرَضًا شَيْطَانِيًّا.
وَقَوْلُهُ: وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ تَعْرِيضٌ بِمَا كَانَتْ تَفْعَلُهُ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ مِنْ تَغْيِيرِ خَلْقِ اللَّهِ لِدَوَاعٍ سَخِيفَةٍ، فَمِنْ ذَلِكَ مَا يَرْجِعُ إِلَى شَرَائِعِ الْأَصْنَامِ مِثْلَ فَقْءُ عَيْنِ الْحَامِي، وَهُوَ الْبَعِيرُ الَّذِي حَمَى ظَهْرَهُ مِنَ الرُّكُوبِ لِكَثْرَةِ مَا أَنْسَلَ، وَيُسَيَّبُ لِلطَّوَاغِيتِ.
وَمِنْهُ مَا يَرْجِعُ إِلَى أَغْرَاضٍ ذَمِيمَةٍ كَالْوَشْمِ إِذْ أَرَادُوا بِهِ التَّزَيُّنَ، وَهُوَ تَشْوِيهٌ، وَكَذَلِكَ وَسْمُ الْوُجُوهِ بِالنَّارِ.
وَيُدْخُلُ فِي مَعْنَى تَغْيِيرِ خَلْقِ اللَّهِ وَضْعُ الْمَخْلُوقَاتِ فِي غَيْرِ مَا خَلَقَهَا اللَّهُ لَهُ، وَذَلِكَ مِنَ الضَّلَالَاتِ الْخُرَافِيَّةِ. كَجَعْلِ الْكَوَاكِبِ آلِهَةً. وَجَعْلِ الْكُسُوفَاتِ وَالْخُسُوفَاتِ دَلَائِلَ عَلَى أَحْوَالِ النَّاسِ، وَيَدْخُلُ فِيهِ تَسْوِيلُ الْإِعْرَاضِ عَنْ دِينِ الْإِسْلَامِ، الَّذِي هُوَ دِينُ الْفِطْرَةِ، وَالْفِطْرَةُ خَلْقُ اللَّهِ فَالْعُدُولُ عَنِ الْإِسْلَامِ إِلَى غَيْرِهِ تَغْيِيرٌ لِخَلْقِ اللَّهِ.
وَلَيْسَ مِنْ تَغْيِيرِ خَلْقِ اللَّهِ التَّصَرُّفُ فِي الْمَخْلُوقَاتِ بِمَا أَذِنَ اللَّهُ فِيهِ وَلَا مَا يَدْخُلُ فِي مَعْنَى الْحُسْنِ فَإِنَّ الْخِتَانَ مِنْ تَغْيِيرِ خَلْقِ اللَّهِ وَلَكِنَّهُ لِفَوَائِدَ صِحِّيَّةٍ، وَكَذَلِكَ حَلْقُ الشَّعْرِ لِفَائِدَةِ

اسم الکتاب : التحرير والتنوير المؤلف : ابن عاشور    الجزء : 5  صفحة : 205
   ««الصفحة الأولى    «الصفحة السابقة
   الجزء :
الصفحة التالیة»    الصفحة الأخيرة»»   
   ««اول    «قبلی
   الجزء :
بعدی»    آخر»»   
صيغة PDF شهادة الفهرست